نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
انخفاض المواليد.. تراجع النمو السكاني لأول مرة في تاريخ مصر المعاصر, اليوم الأحد 24 أغسطس 2025 01:14 صباحاً
لم تكن أرقام تراجع أعداد المواليد التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء مجرد بيانات روتينية، بل شهادة على تحوّل ديموجرافي غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث.، فتراجع معدل المواليد اليومي إلى 5,165 مولوداً، مقارنة بـ 5,385 مولوداً خلال فترة الوصول إلى 107 ملايين نسمة، جاؤ نتيجة رحلة معقدة من السياسات العامة والتغير المجتمعي والوعي المتصاعد.
د. حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أكد أن وصول مصر إلى 108 ملايين نسمة في الداخل استغرق 287 يوماً، وهي فترة أطول بـ 19 يوماً مقارنة بالمرحلة السابقة. هذه الفارق الزمني الصغير يحمل في طياته إشارة بالغة الأهمية: تباطؤ فعلي في معدل النمو السكاني.
أما د. خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية، يصف هذا الإنجاز بأنه ثمرة "الاستراتيجية القومية للسكان" التي تهدف إلى التحكم في معدلات الزيادة السكانية وتحقيق التنمية المستدامة. لكن القصة لا تقتصر على السياسات الحكومية فقط، بل تمتد إلى واقع الأسر المصرية وتغير وعيها الجمعي.
من التاريخ إلى الواقع
لم يكن اهتمام مصر بالزيادة السكانية وليد اللحظة، كما يوضح د. محمد الإمام، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة دمنهور، في تصريحات لـ"بي بي سي" فمنذ عهد محمد علي باشا، أرجعت الحكومات عدم نجاح سياساتها التنموية إلى زيادة السكان، أما المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي في "عجائب الآثار" والمفكر علي مبارك في "الخطط التوفيقية" قدّما تفسيرات مماثلة لارتفاع الأسعار وقلّة المساكن.
وفق تقرير "بي بي سي " تتخذ الاستراتيجية شكلاً أكثر علمية وتكاملا، د. سدرة الشيخ، استشاري أمراض النساء والتوليد، توضح أنها تشمل عمليات ميدانية لتعزيز التوعية، وتحسين خدمات تنظيم الأسرة، وتوفير رعاية صحية شاملة. لكنها تشير أيضاً إلى جانب آخر أكثر إثارة للجدل: تخفيض الدعم الحكومي للأسر من خلال خفض السلع المدعومة وتقليص عدد المستفيدين من بطاقات التموين.
أسباب تغيير الخريطة الديموجرافية
في محافظة الدقهلية، تروي نيفين، أم لثلاثة أطفال، كيف غيرت هي وزوجها خططها للإنجاب. تقول: "بعد ارتفاع الأسعار بشكل كبير، لم نعد قادرين على توفير الاحتياجات الأساسية". حتى أن سعر عبوة الحفاضات ارتفع إلى 400 جنيه. هذه القصة ليست فريدة، فالتضخم الذي وصل إلى 14.9% في يونيو 2024 (وانخفض إلى 13.9% في يوليو) أصبح عاملاً حاسماً في القرارات الأسرية.
كما أن البيانات الرسمية تدعم هذه التحولات. فمعدل الخصوبة الكلي انخفض من 3.5 طفل لكل سيدة في 2014 إلى 2.41 في 2024. لكن هذه الأرقام تخفي تفاوتات إقليمية عميقة، فمحافظات الصعيد (أسيوط، سوهاج، قنا، المنيا، بني سويف) لا تزال تسجل أعلى معدلات المواليد، بينما تسجل محافظات الدلتا والوجه البحري أقل المعدلات، وهو ما تفسره سدرة بتغليب المجتمعات في الصعيد للعادات والتقاليد الموروثة حول الأبناء، بالإضافة إلى انخفاض نسب عمل المرأة وتمكينها الاقتصادي مقارنة بباقي المحافظات.
تغيير المفاهيم من الداخل
الشيخ محمد دحروج، الداعية الإسلامي بوزارة الأوقاف، يروي لـ"بي بي سي" كيف ساهمت الدروس والمحاضرات في تغيير المفاهيم، خاصة في حملات "جلسات الدوار" ضمن مبادرة "حياة كريمة".
ويؤكد الشيخ على التمييز بين "تنظيم الأسرة" المشروع و"تحديد النسل" المرفوض، مشيراً إلى أن التنظيم يهدف للحفاظ على صحة الأم والأسرة والمجتمع، موضحا أن وزارة الأوقاف أعدت واعظات للقاء النساء مباشرة ومناقشة قضايا مثل زواج القاصرات والطلاق المبكر وعلاقتها بالوعي السكاني.
كما يقول أسامة رفعت إنه حضر مع زوجته دروساً في الكنيسة حاضر فيها أطباء وقساوسة حول خطورة الزيادة السكانية على الأمن القومي المصري. هذه الجهود المشتركة أسفرت عن انخفاض معدل الولادات إلى 18.5 لكل 1000 نسمة في 2024، مقارنة بـ 19.4 في 2023.
ورغم النجاحات الأولية، تبقى التحديات قائمة. التفاوت الإقليمي في معدلات الخصوبة يحتاج إلى معالجة أعمق، خاصة في محافظات الصعيد. كما أن استمرار تباطؤ النمو السكاني مرهون باستقرار الظروف الاقتصادية واستدامة برامج التوعية.
قصة التحول الديموجرافي في مصر هي قصة متعددة الأبعاد: سياسات حكومية طموح، ظروف اقتصادية صعبة، تغير في الوعي المجتمعي، وتحالف غير مسبوق بين الدين والدولة. إنها قصة لم تكتمل فصولها بعد، لكن فصولها الأولى تحمل بشائر قد تغير وجه مصر لعقود قادمة.
0 تعليق