بين الإصلاح والتحديات.. هل ينجح وزير البترول في تكرار تجربة سامح فهمي؟

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين الإصلاح والتحديات.. هل ينجح وزير البترول في تكرار تجربة سامح فهمي؟, اليوم الاثنين 25 أغسطس 2025 02:35 مساءً

قطاع البترول في مصر ليس مجرد وزارة عادية ضمن أجهزة الدولة، بل هو العمود الفقري للاقتصاد الوطني والورقة الأهم في تحديد مكانة مصر إقليميًا ودوليًا. وعلى مدار العقود الماضية ظل هذا القطاع في موقع القلب من حركة التنمية، سواء من خلال الاكتشافات العملاقة أو السياسات التي استطاعت أن تفتح الأبواب أمام الاستثمارات. واليوم يقف وزير البترول الحالي أمام لحظة فارقة، لحظة تفرض عليه أن يختار بين أن يقود إصلاحًا حقيقيًا يعيد للقطاع بريقه المفقود، أو أن يبقى أسير التحديات والملفات الثقيلة التي تراكمت على مدار سنوات.

حين يُذكر اسم المهندس سامح فهمي، فإن الذاكرة تعود إلى مرحلة ذهبية في تاريخ البترول المصري. لم يكن الرجل وزيرًا تقليديًا يكتفي بإدارة الملفات اليومية، بل كان صاحب رؤية استطاع أن يحول الوزارة إلى مؤسسة اقتصادية ضخمة تعمل بعقلية السوق لا بعقلية البيروقراطية. في عهده وُلدت شركات، وتوسعت الاستثمارات، وازدهرت الشراكات مع كبرى الشركات العالمية، وشهد العاملون في القطاع دفعة قوية من الحافز والثقة. لقد ترك بصمة لا تزال واضحة حتى اليوم، وأصبح معيارًا يُقاس به أداء كل وزير جاء بعده.

لكن الوزير الحالي لا يقف على أرض ممهدة، بل يجد نفسه أمام تركة مثقلة بمشكلات متراكمة. هناك شركات خاسرة لم تُجرَ لها عملية إصلاح حقيقية منذ سنوات، وهناك ديون ومستحقات متراكمة أربكت السوق وأضعفت قدرة الوزارة على التحرك، وهناك إدارات فقدت الروح والحافز بفعل البيروقراطية وعدم وضوح الرؤية، وهناك أيضًا ضغوط عالمية من تقلبات أسعار الطاقة وتنافس إقليمي محتدم مع دول أخرى تسعى إلى أن تصبح مراكز لتجارة وتصدير الغاز والنفط. كل ذلك يجعل مهمة الوزير بالغة الصعوبة، وربما أشد قسوة من تلك التي واجهها سامح فهمي في مطلع الألفية.

المطلوب اليوم ليس مجرد إدارة يومية للأزمات، بل مشروع إصلاحي شامل يعيد صياغة فلسفة العمل داخل الوزارة. الإصلاح يبدأ من الداخل عبر إعادة هيكلة الشركات المتعثرة وتحديث بنيتها التحتية وضخ دماء جديدة في مفاصلها، ثم يمتد إلى الخارج عبر جذب استثمارات نوعية وبناء شراكات عالمية كبرى تستفيد من موقع مصر الجغرافي ومكانتها الإقليمية. الإصلاح أيضًا يجب أن يعيد الثقة إلى العاملين في القطاع، فالمهندس والفني والعامل الذي يقضي أيامه في الصحراء أو البحر أو المصانع يحتاج أن يشعر أن مجهوده مقدَّر وأن القيادة تتحرك برؤية واضحة تعلي من شأن الكفاءات.

قد يقول البعض إن المقارنة بين الوزير الحالي وسامح فهمي غير عادلة، لأن الظروف تغيرت والسياقات مختلفة. لكن الحقيقة أن القيادة دائمًا ما تُقاس بقدرتها على تحويل الظروف الصعبة إلى فرص. التحديات قد تكون قاسية، لكنها أيضًا هي التي تكشف معدن القائد الحقيقي. والتاريخ لا يتذكر من جلس على الكرسي، بل من أحدث نقلة وبصمة لا تمحى.

الوزير الحالي أمامه فرصة تاريخية إذا امتلك الشجاعة والجرأة في اتخاذ قرارات غير تقليدية قد تكون مؤلمة لكنها ضرورية. المطلوب ليس أن يكون نسخة من سامح فهمي، وإنما أن يستلهم روحه الإصلاحية ويُعيد إحياء تلك القدرة على الحلم والتغيير. فإذا استطاع أن يقنع المصريين بأن القطاع قادر على قيادة الاقتصاد، وأن يفتح الباب أمام المستثمرين بثقة، وأن يُعيد للوزارة حيويتها وهيبتها، فسوف يُكتب اسمه في سجل الإنجازات. أما إذا ظل أسيرًا للتركة الثقيلة وأدارت وزارته بنفس العقلية القديمة، فسوف يمر دون أن يترك أثرًا يُذكر.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ينجح وزير البترول في أن يكون سامح فهمي جديدًا يعيد للقطاع مجده المفقود، أم أن التحديات ستظل أكبر من أي محاولة إصلاح؟ الإجابة ستكتبها الأيام، لكن المؤكد أن مصر اليوم في أمسّ الحاجة إلى قيادة بترولية استثنائية تعرف أن التاريخ لا يرحم، وأن الكرسي لا يخلّد أحدًا، بل ما يخلّد الوزير هو ما يتركه من بصمات حقيقية تشهد بها الأجيال.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق