وداع بالملايين.. ما التكلفة الحقيقية لطرد رئيس تنفيذي؟

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
وداع بالملايين.. ما التكلفة الحقيقية لطرد رئيس تنفيذي؟, اليوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025 11:24 صباحاً

عندما تُعلن شركة عالمية كبيرة عن إقالة رئيسها التنفيذي، قد يخيَّل للبعض أن الأمر لا يتجاوز تغييراً في الأسماء والمناصب داخل الشركة، في خطوة إدارية تهدف إلى إنعاش الأداء.

ولكن الواقع أبعد ما يكون عن هذا الانطباع البسيط، فخلف كل قرار من هذا النوع، تكمن شبكة معقدة من التكاليف المباشرة وغير المباشرة، يمكن أن تصل إلى مئات الملايين من الدولارات.

فخطوة إقالة أو طرد رئيس تنفيذي تحمل أثقالاً مالية هائلة، تبدأ بدفع تعويض الرئيس المغادر ولا تنتهي بالمكافآت الضخمة المخصصة لجذب الرئيس الجديد، ولعل أبرز مثال على ذلك، ما حصل مع ستاربكس في عام 2024، بعد قرار استبدال الرئيس التنفيذي للشركة لاكشمان ناراسيمهان برئيس جديد هو بريان نيكول.

انتقال باهظ لستاربكس

وبلغت الكلفة الإجمالية لانتقال القيادة في ستاربكس عام 2024، ما يقارب الـ 130 مليون دولار، وهو ما بررته الشركة بحاجتها الماسة إلى "قائد تحويلي" قادر على إحداث تغيير جذري في الأداء.

ويشمل هذا الرقم مدفوعات الخروج المُقدَّرة للرئيس التنفيذي السابق لستاربكس لاكشمان ناراسيمهان، بالإضافة إلى مكافآت "التعويض الكامل" من نقد وأسهم تم تخصيصها لإغراء الرئيس الجديد بريان نيكول بترك منصبه على رأس شركة Chipotle Mexican Grill  والانضمام إلى ستاربكس.

ثمن الإقصاء المموّه

ورغم أن خروج لاكشمان ناراسيمهان من منصبه كرئيس تنفيذي لستاربكس، جرى تقديمه رسمياً على أنه "استقالة فورية"، إلا أن المؤشرات تفيد بوضوح أن الأمر لم يكن طوعياً، بل أقرب إلى إقصاء، فرضته ضغوط داخلية من الإدارة والمستثمرين.

ففي عالم الشركات الكبرى، كثيراً ما يُستخدم بيان الاستقالة كستارٍ يخفي خلفه قرار فصل حاد، حيث يعمل المحامون وفِرق العلاقات العامة، على صياغة رواية انتقال "سلس" لتجنّب وقع الصدمة، ولكن هذا الإخراج الناعم يخفي وراءه تكاليف مالية باهظة تتحملها الشركة لإرضاء الرئيس الذي تم الاستغناء عنه.

تسارع وتيرة الإقالات

وإلى جانب ستاربكس، شملت قائمة الشركات البارزة الأخرى، التي تخلت عن رؤسائها التنفيذيين في عام 2024 كلاً من نايكي، ووينديز، وبيلوتون إنتراكتيف، وأندر آرمور، وسي في إس هيلث.

ووفقاً لموقع Exechange.com، وهو مصدر موثوق لتحليلات خروج الرؤساء التنفيذيين من مناصبهم، فقد شهدت المناصب العليا زيادة في معدل دوران الموظفين في عام 2024، حيث كان معظمها غير مخطط له، ليتم تسجيل 134 حالة إقالة لرؤساء تنفيذيين خلال ذلك العام، ضمن الشركات المنضوية تحت مؤشر Russell 3000 الذي يقيس أداء أكبر 3000 شركة عامة في الولايات المتحدة.

وقد تسارعت وتيرة الإقالات في النصف الأول من عام 2025 بين الرؤساء التنفيذيين، وسط ضجة التعرفات الجمركية، والقلق من تأثيرات الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى مخاوف أخرى داخل مجالس الإدارات، حيث خسر حوالي 42 في المئة من أصل 157 رئيساً تنفيذياً مناصبهم، مقارنة بمتوسط يقارب ثلث الرؤساء التنفيذيين خلال السنوات الثماني الماضية، وفقاً لبيانات Exechange.com.

وداع بالملايين

وبحسب تقرير أعدته "بلومبرغ"، واطّلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإنه غالباً ما تكون التكلفة الحقيقية لإقالة الرؤساء التنفيذيين غير واضحة، ولكنها دائماً ما تكون باهظة، حيث تختلف تعويضات نهاية الخدمة للرؤساء التنفيذيين، اختلافاً كبيراً بين شخص وآخر.

ولكن وفقاً لتحليل أجرته شركة Farient المتخصصة في استشارات التعويضات وحوكمة الشركات، فقد تبين أن الشركات دفعت في المتوسط للمدراء المفصولين خلال العام 2024 نحو 3.1 مليون دولار نقداً، في أن الشركات التي ذهبت لخيار التعويض من خلال الأسهم، فقد دفعت في المتوسط ما قيمته 6.2 مليون دولار من الأسهم لكل مدير مفصول، وجميع هذه المبالغ كانت غالباً لتوديع شخص فشل في أداء مهامه.

ما الذي تدفعه الشركات عند الطرد؟

من أجل الوصول إلى تقدير أدق للكلفة الحقيقية لإقالة الرؤساء التنفيذيين، استعانت "بلومبرغ نيوز" بآراء خبراء في مجال التعويضات، وأكاديميين، ومحامين مختصين في شؤون الشركات، إلى جانب مستشارين في البحث عن القيادات التنفيذية، وخبراء في العلاقات العامة. وتبيّن من خلال هذا التحليل أن أي شركة تقدم على خطوة كهذه ستجد نفسها أمام سلسلة من المدفوعات الإلزامية، أبرزها:

فاتورة البحث

عادةً ما تقوم الشركات الكبيرة بتفويض خبراء خارجيين، مهام العثور على الرئيس التنفيذي الجديد والتفاوض معه على عقد عمله، وإبلاغ المستثمرين ووسائل الإعلام بإقالة المدير القديم.

ووفقاً لشركة إكويلار الاستشارية في مجال الرواتب، فإن تكلفة البحث عن رئيس تنفيذي لشركة كبيرة تبلغ 3 ملايين دولار، وقد تصل في بعض الحالات إلى 5 ملايين دولار.

كما أن الكثير من الخبراء من خارج الشركة، يروجون لخدمات "الاستشارات القيادية"، التي توفر كل شيء بدءاً من نصائح إرشادات انتقال القيادة بسلاسة، إلى تدريب الرؤساء التنفيذيين وتأهيلهم. في المقابل، قد يتقاضى هؤلاء أجوراً سنوية تتراوح بين 250 و500 ألف دولار أميركي لقاء هذا العمل.

فاتورة المحامين

عند إقالة رئيس تنفيذي، تتحمل الشركات تكاليف إضافية مرتبطة بالجوانب القانونية، حيث تستعين بمحامين لصياغة اتفاقيات عدم المنافسة وضمان الالتزام باللوائح، إضافةً إلى إعداد عقد الرئيس التنفيذي الجديد. وبما أن أتعاب هؤلاء المحامين قد تصل إلى نحو 2000 دولار في الساعة، فإن إجمالي الكلفة النهائية يمكن أن ترتفع أحياناً لتصل إلى ملايين الدولارات.

فاتورة الاحتفاظ

قد يؤدي قرار إقالة رئيس تنفيذي، إلى رحيل قادة كبار آخرين من الشركة، فقد أظهرت دراسة أن تعيين رئيس تنفيذي جديد من خارج الشركة، يضاعف احتمالات رحيل المدراء الكبار، الذين يشعر بعضهم بأنهم كانوا الأجدر بالمنصب. ولمواجهة هذا الخطر تلجأ الشركات إلى ما يُسمّى بـ "مكافآت الاحتفاظ"، وهي حوافز مالية أو أسهم تُمنح لهؤلاء القادة بهدف تهدئة مخاوفهم وتشجيعهم على البقاء.

فاتورة المستشارين الجدد

قد يستقدم الرئيس التنفيذي الجديد، أعضاءً ومستشارين جدداً، يمثلون نهجه في الإدارة العليا للشركة، مما يؤدي إلى تكاليف إضافية.

فاتورة الإقصاء

سيحصل الرئيس التنفيذي المُقال من ستاربكس، لاكشمان ناراسيمهان، على أكثر من 9 ملايين دولار نقداً، رغم أن فترة عمله لم تتجاوز 17 شهراً. وتُعد هذه الفاتورة الباهظة بمثابة "ثمن الإقصاء" الذي تدفعه الشركات الكبرى لتأمين خروج سريع وسلس للمدير المُقال، تجنباً للدخول في نزاعات أو أزمات إضافية.

فاتورة راتب المدير الجديد

عندما تكون الشركة في عجلة لإيجاد رئيس تنفيذي جديد يعيدها إلى المسار الصحيح، ترتفع الكلفة أكثر، إذ تضطر لدفع راتب مغرٍ يتجاوز ما كان يحصل عليه المرشح في وظيفته السابقة، وذلك لتعويضه عن ترك منصبه وجذبه للانضمام.

فاتورة القلق

عندما يتعلق الأمر بإقالة الرؤساء التنفيذيين، يميل المستثمرون وصناديق التحوط، إلى الشعور بالقلق من أن مجلس الإدارة، الذي يتعرض لضغوط، قد يتخذ قراراً سيئاً آخر. ووجدت دراسة أجرتها شركة FTI Consulting، أن أنباء تغيير المدير التنفيذي، جعلت المستثمرين أكثر عرضة لبيع أسهم شركة معينة، بأكثر من ضعف احتمال شرائها. وقال ما يقرب من ٤٠ في المئة من المستثمرين في نفس الدراسة، إنهم سيبيعون أسهم الشركة لمجرد أن الرئيس التنفيذي جديد.

القرار الإداري الأغلى

ويقول الخبير في الإدارة المالية حسان حاطوم، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيووز عربية"، إنه عندما نتحدث عن إقالة رئيس تنفيذي، فالمسألة لا تختصر بتعويض نهاية الخدمة، أو شيك ضخم يُمنح للمغادر، بل تتجاوز ذلك إلى منظومة كاملة، تُرهق ميزانية الشركة، ففي كثير من الحالات يتحول التغيير الإداري إلى استثمار إجباري، بمئات الملايين من الدولارات، وهو ثمن باهظ يتحمله في النهاية المساهمون، مشيراً إلى أنه إلى جانب المدفوعات المالية للمُقال، قد تظهر سلسلة معقدة من التبعات مثل فقدان الاستقرار الداخلي واحتمالية رحيل قيادات أخرى تشعر بالتهميش، إضافة إلى تحدي إعادة بناء الثقة داخل الشركة، ولذلك يمكن القول إن إقالة الرئيس التنفيذي ليست مجرد قرار إداري، بل صفقة مالية ضخمة تُعد من أغلى القرارات في عالم الأعمال.

كلفة "تأجيل القرار"

وبحسب حاطوم، فإن الكثير من الأشخاص قد يتسألون عن السبب الذي قد يدفع شركة كبيرة مثل ستاربكس، إلى دفع اكثر من 100 مليون دولار فقط، لتغيير رئيسها التنفيذي، ولكن ما يجب إدراكه هو أن إدارة ستاربكس، قد تكون أدركت أن التردّد في اتخاذ قرار تغيير رئيسها التنفيذي، سيكلفها أكثر بكثير من 100 مليون دولار، لافتاً إلى أن الكثير من مجالس إدارات الشركات تُبقي على رئيس فاشل لفترة أطول مما ينبغي، خوفاً من تقلبات السوق أو من صدمة التغيير، وهذا التردّد يضاعف الخسائر ويراكم القرارات الخاطئة ويؤدي إلى استنزاف أموال الشركة.

إنقاذ مليارات الدولارات

ويؤكد حاطوم أن قرار الشركات الكبيرة، بالتضحية بمبلغ كبير عند إقالة رئيس تنفيذي، يُمهّد الطريق لإنقاذ مليارات الدولارات على المدى الطويل، فمثل هذا القرار يرسل رسالة قوية إلى المستثمرين، مفادها أن الشركة تواجه التحديات بشجاعة، بدل التراجع أو التجاهل، مما يعزز الثقة بقدرة الإدارة على التصرف بسرعة وحسم عند الضرورة، كما أن هذه الخطوة تطمئن السوق بأن مجلس الإدارة ملتزم بحماية قيمة الشركة، والحفاظ على استقرارها حتى وإن كانت التكاليف الفورية عالية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق