نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين دماء غزة وصمت الضفة.. الاحتلال يستثمر الانقسام والضعف الفلسطيني, اليوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025 03:34 مساءً
رغم المشاهد اليومية المأساوية في غزة والتي توجع كل بيت فلسطيني، إلا أن الشوارع في الضفة الغربية لم تشهد موجات احتجاج عارمة كما قد يتوقع البعض، ما يطرح تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا العزوف خاصة في ظل تصاعد الانتقادات على منصات التواصل الاجتماعي وفي الأوساط العربية، التي ترى أن الضفة لم تتحرك بالقدر المطلوب بينما تدفع غزة ثمناً باهظاً. بل إن بعض سكان غزة أنفسهم عبروا عن شعور بالخذلان، معتبرين أن الضفة لم تتحرك كما ينبغي.
الصمود خيار استراتيجي
يؤكد خليل شاهين، الكاتب والمحلل السياسي في المركز الفلسطيني للدراسات الاستراتيجية في تصريحات لـ"بي بي سي" بأنه "لا يوجد قرار وطني بالذهاب إلى انتفاضة، بل على العكس، ما يجري هو انعكاس لقرار القيادة الفلسطينية باتباع سياسة البقاء في مواجهة ما تعتقد أنه هجمة إسرائيلية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين". وهذا ما تؤكده المشاورات الميدانية مع العديد من أبناء الشارع الفلسطيني، حيث أصبح الهدف الأسمى هو البقاء والصمود في مواجهة سياسات التهجير.
سياسة القمع الإسرائيلية
منذ بدء الحرب على قطاع غزة، كثفت إسرائيل ضغوطها على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وبررت ذلك بأنها تتخذ إجراءات أمنية مشروعة، وظلت تروج لسياسة تهجير الفلسطينيين، ما أثار حالة من الغضب ليس فقط في غزة، بل في الضفة أيضاً، خاصة مع التوسع الاستيطاني وتزايد عدد المستوطنين، فيما تشير الإحصاءات إلى وجود نحو 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهي مستوطنات تعتبرها غالبية الدول مخالفة للقانون الدولي.
وزادت الأمور تعقيداً بعد أن أعطت وزارة الدفاع الإسرائيلية الضوء الأخضر لخطة "إي 1" الاستيطانية المثيرة للجدل، والتي تهدف إلى بناء نحو 3400 وحدة سكنية بين القدس ومستوطنة معالي أدوميم، وهو المشروع الذي تم تجميده منذ عقود وسط معارضة دولية واسعة لأنه سيؤدي فعلياً إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، بينما وصف وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش هذا القرار بأنه "تاريخي" ويشكل "خطوة مهمة سوف تمحو عملياً وهم الدولتين".
تأثير المستوطنين والعنف الممنهج
يشير خليل شاهين إلى أن "العامل الديموغدجرافي تغير بسرعة، وبات عدد المستوطنين كبيراً، ولهم جماعات مسلحة تهاجم الفلسطينيين. وبالتالي، أصبح الفلسطيني في الضفة منشغلاً بالتصدي للمستوطنين أكثر من اهتمامه بالتظاهر تضامناً مع غزة، فهو يرى نفسه في نفس المعركة اليومية مع الجيش والمستوطنين".
وتعرض الفلسطينيون في الضفة لعدد متزايد من الهجمات التي نفذها مستوطنون، وتسببت في خسائر بشرية ومادية، ففي يونيو الماضي، سجلت الأمم المتحدة أعلى عدد شهري من الإصابات في صفوف الفلسطينيين منذ أكثر من عقدين، حيث أصيب 100 فلسطيني في هجمات شنها مستوطنون. وخلال النصف الأول من عام 2025، سجلت الأمم المتحدة 757 هجوماً لمستوطنين أسفر عن خسائر بشرية أو مادية، بزيادة تبلغ نحو 13% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024.
الوضع الاقتصادي المتدهور
ساهمت السياسات الإسرائيلية في تدهور الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية، مما زاد من عزوف الناس عن الاحتجاجات. سياسة العقوبات المالية التي فرضتها إسرائيل، مثل حجب أموال المقاصة، أدت إلى أزمة خانقة لدى السلطة الفلسطينية، فقلّصت رواتب موظفيها منذ بدء الحرب. كما ارتفعت معدلات البطالة بعد منع السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين من العمل داخل إسرائيل.
وأضيفت إلى هذه الصعوبات تحديات التنقل، حيث أقام الجيش الإسرائيلي بوابات عسكرية على معظم مداخل المدن والقرى ومخارجها، وأغلق بعضها بشكل كامل، بينما يتم فتح وإغلاق أخرى في أوقات يحددها الجيش. وأصبح هناك الكثير من الازدحام والتأخير والانتظار لساعات طويلة عند الحواجز، ما يضيف أعباءً إنسانية واقتصادية كبيرة على حياة الفلسطينيين.
غياب القيادة الموحدة
يسود الشارع الفلسطيني شعور بالقلق حيال المبادرات العسكرية والسياسية. الانقسام السياسي، وغياب القيادة الموحدة، وتراجع الثقة، جعلت الناس أقل استعداداً للمشاركة في الاحتجاجات. كما عبر شباب في حوارات عن أن عدم الاحتجاج يتعلق بعدم وجود قيادة يلتفون حولها ويثقون بها.
غياب الرؤية السياسية الموحدة يتزامن مع استمرار النظام الإسرائيلي في فرض سياسات استعمارية وقوانين عنصرية تهدف إلى تهجير وطرد السكان الفلسطينيين الأصليين على جانبي الخط الأخضر. وتشكل هذه السياسات نظاماً شاملاً قائماً على التمييز العنصري ضد غير اليهود، مما يستدعي تطوير رؤية فلسطينية شاملة قادرة على مواجهة هذا المشروع الاستعماري.
يؤكد خبراء أن مشاعر التضامن مع غزة لم تختفِ في الضفة الغربية، لكنها تأقلمت مع واقع أمني واقتصادي وسياسي معقد. بين الانقسام الداخلي، والتصعيد الإسرائيلي، وتدهور المعيشة، وغياب رؤية سياسية جامعة، باتت أشكال التضامن مع غزة تتخذ مسارات أقل علنية وأكثر فردية أو رقمية، بعيداً عن مشهد الشوارع المزدحمة والهتافات الجماعية، كما أن الناس أصبحوا يركزون على لقمة العيش وإغاثة أهل غزة بطرق مختلفة، بدل الانخراط في حراك دائم، خاصة مع تزايد الشعور بأن الخروج في مظاهرة وسط هذا الواقع لن يجدي نفعاً.
0 تعليق