نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل سيقوم "برادة" بفرض "البوانتاج" الرقمي على الأساتذة؟, اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025 12:25 مساءً
ونحن على بعد أيام قليلة من نهاية عطلة الصيف وحلول السنة الدراسية للموسم الدراسي الجديد 2025/2026، فإذا بمواقع التواصل الاجتماعي تشتعل بالانتقادات الحادة الموجهة لرئيس الفريق النيابي لحزب "الحركة الشعبية" وعضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب ادريس السنتيسي، بخصوص مطالبته بضرورة فرض نظام "البوانتاج" الإلكتروني على موظفي وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مؤكدا على أن ضبط الحضور والانصراف في الإدارات والمؤسسات العمومية، يعد من بين أهم الآليات الرقابية لضمان سير العمل بشكل منتظم وفعال، وتحقيق مزيد من الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة...
حيث أنه أبى إلا أن يوجه سؤالا كتابيا في مطلع شهر يوليوز 2025 لوزير التربية الوطنية محمد سعد برادة، يشدد من خلاله على وجوب القطع مع فوضى الحضور والغياب في المؤسسات التعليمية في القطاع العمومي، ومحاصرة ما يعرف بإشكالية "الموظفين الأشباح"، التي تحد من مردودية القطاع وتؤثر بصفة مباشرة على جودة التعليم، والعمل على استخدام التكنولوجيا الحديثة لتتبع أداء الموظفين بوزارته، على غرار عدد من القطاعات الوزارية الأخرى، لما يرى في ذلك من تكريس لثقافة الانضباط في المرافق العمومية عبر تقنيات تسجيل الحضور والانصراف "البوانتاج" الرقمي، معتبرا أن النجاعة الإدارية تتطلب التزاما صارما بالحضور واحترام أوقات العمل، متسائلا عن مدى اعتماد الوزارة الوصية لهذه الآليات الحديثة في ظل استمرار بعض مظاهر الغياب غير المبرر، ناسيا أن يعزز اقتراحه بالمطالبة كذلك بتثبيت كاميرات مراقبة ذكية على مداخل المؤسسات التعليمية، حتى يمكن متابعة دخول وخروج الأساتذة وأطر الإدارة بكل ما يلزم من دقة متناهية.
وهو نفس النائب البرلماني الذي انتقد في جلسة التصويت على مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية، ذلك التساهل الواضح والمتواصل الذي تتعامل به رئاسة المجلس مع ظاهرة الغياب المرتفع في صفوف نواب الأمة، رغم ما تكتسيه مثل هذه الجلسات العامة من بالغ الأهمية، وخاصة منها تلك التي تخصص للمصادقة على نصوص تشريعية هامة، تعد من بين أهم ركائز المنظومة القانونية الوطنية، حيث أشار السنتيسي حينها إلى أن نسبة الحضور المسجلة في تلك الجلسة بلغت 15 في المائة فقط من مجموع أعضاء المجلس البالغ عدد هم 395 شخصا.
وإذا كانت انتقاداته حول استفحال ظاهرة غياب البرلمانيين محمودة وتستحق التنويه، لما في ذلك من آثار سلبية على العمل التشريعي، لاسيما في اللحظات المفصلية التي تتم فيها عمليات التصويت على قوانين ذات طابع مؤسساتي وهيكلي. علما أن المؤسسة التشريعية سبق لها في أكثر من مناسبة محاولة معالجة ظاهرة الغياب في الجلسات العامة داخل قاعتها والتي تضر بصورتها، حيث أنه تم إلى جانب نظام تسجيل الحضور "البوانتاج" الإلكتروني، التفكير أيضا في وضع كاميرات مراقبة ذكية على مداخل قاعة الجلسات، ربط التعويضات المالية بالحضور الفعلي والشخصي، تخصيص تعويض شهري للإيواء بالفنادق قدره 6400 درهم لكل نائب، أي ما يعادل 1600 درهم عن كل جلسة، دون بلوغ الهدف في الحد من ظاهرة الغياب المستفحلة بالمؤسسة التشريعية.
فإن مطالبة ذات النائب البرلماني الحركي بفرض نظام تسجيل الحضور والانصراف "البوانتاج" الإلكتروني على موظفي وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، أثارت جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، وخلفت استياء عميقا وردود فعل غاضبة من قبل العاملين في قطاع التعليم وبعض المركزيات النقابية، حيث توالت الانتقادات الشديدة اللهجة وخاصة من قبل هيئات التدريس وأطر الإدارة التربوية، الذين يرون أن موضوع نظام "البوانتاج" الرقمي ليس من أولويات إصلاح المنظومة التعليمية، التي تعاني منذ فجر الاستقلال من اختلالات بنيوية وهيكلية عميقة. إذ أن الضرورة تدعو إلى جانب تشديد الرقابة على الحضور والمردودية، الانكباب الجاد على معالجة الإشكاليات الحقيقية من قبيل الاكتظاظ، ضعف البنية التحتية وقلة التجهيزات المدرسية، من حيث غياب المرافق الصحية الملاعب الرياضية، الأندية الثقافية، الخصاص في الموارد البشرية، الهدر المدرسي وضعف الأجور وغيرها كثير.
يحز في النفس كثيرا الاستمرار في تحميل مسؤولية تراجع مستوى التلاميذ للأساتذة وحدهم حتى وإن كان بعضهم لا يقومون بواجبهم على أحسن وجه مثلهم مثل غيرهم في قطاعات وزارية أخرى، اعتمادا على المثل القائل "طاحت الصمعة علقو الحجام". والحال أن وزارة التربية الوطنية تضم أعدادا غفيرة من الموظفين وكبار المسؤولين الذين يستفيدون من تعويضات كثيرة وامتيازات غير محدودة، دون أن تطالهم أي مساءلة، فضلا عن أن هناك عدة عوامل أخرى متداخلة تؤثر سلبا على المنظومة التعليمية مثل الظروف الاجتماعية والاقتصادية للتلاميذ والمناهج الدراسية والسياسات التعليمية المعتمدة منذ عقود.
فلا أحد ينكر أن نظامنا التعليمي تعترضه تحديات كبرى تستدعي توفر إرادة سياسية قوية لدى القائمين على الشأن التربوي ومباشرة إصلاحات حقيقية، لا تعتمد فقط على صرف المزيد من الميزانيات، بل كذلك على تفعيل الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، حتى يكون الإصلاح إصلاحا شاملا، ويستهدف الرفع من جودة التعليم وتحقيق تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب والاستجابة لاحتياجات المجتمع وسوق الشغل كذلك...
أخبار متعلقة :