عشرة نيوز

الشرع يرسم ملامح "سوريا الجديدة"

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشرع يرسم ملامح "سوريا الجديدة", اليوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025 09:26 صباحاً

خطابه لم يقتصر على الطابع السياسي التقليدي، بل حمل إشارات استراتيجية عن مستقبل سوريا، ووحدة الدولة، والتحديات الأمنية، وصولاً إلى كشفه عن مفاوضات متقدمة مع إسرائيل قد تفضي إلى اتفاق أمني برعاية أميركية.

هذا المزيج من الطمأنة والتصعيد، ومن الانفتاح والانغلاق، يعكس توازنا دقيقا يحاول الشرع أن يرسخه: تقديم سوريا كدولة منفتحة على مرحلة جديدة، لكن من دون التنازل عن "الخطوط الحمراء"، وفي مقدمتها وحدة البلاد وسيادتها.

الشرع يقفل أبواب الماضي

حرص الرئيس السوري في حديثه، على القطيعة مع أيديولوجيات الماضي. فقال بوضوح إنه "ليس امتدادا للربيع العربي"، ولا للحركات الإسلامية، سواء الجهادية أو الإخوان المسلمين. هذا التأكيد يهدف إلى رسم صورة "سوريا الجديدة" بوصفها كيانا مستقلا، غير مرتهن لأجندات عابرة للحدود أو تجارب أيديولوجية أثارت الجدل في المنطقة.

كما شدد الشرع على أن وحدة سوريا "خط أحمر"، وأن أي حديث عن انفصال أو محاصصة "مرفوض تماما". هذه الرسالة المباشرة تستهدف الداخل السوري، وخصوصا المكونات التي لوحت بخيارات الانفصال، مثل بعض الأصوات في الجنوب السوري من الطائفة الدرزية.

إسرائيل على الخط: اتفاق أمني مرتقب

النقطة الأبرز في تصريحات الشرع كانت كشفه عن مفاوضات متقدمة مع تل أبيب بشأن اتفاق أمني يقوم على خط الهدنة لعام 1974.

القناة الإسرائيلية 12 نقلت أن الاتفاق المرتقب يتم بوساطة أميركية ورعاية إقليمية، وأنه يشمل حظر نشر أسلحة استراتيجية في سوريا، بما في ذلك الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي.

كما نصّت التسريبات على أن دمشق ستحصل مقابل ذلك على مساعدات خارجية لإعادة الإعمار، إضافة إلى نزع السلاح في المنطقة الممتدة من دمشق إلى السويداء.

لكن الشرع أعلن رفض حكومته فكرة "الممر الإنساني" عبر إسرائيل نحو السويداء، مؤكداً أن أي مساعدات لن تدخل إلا عبر العاصمة دمشق، بما يعكس تمسكه بمرجعية الدولة المركزية.

التناقض بين السيادة والتسوية

هذه المفاوضات تضع القيادة السورية أمام معادلة شديدة التعقيد: من جهة، الانفتاح على تسوية قد تفتح باب إعادة الإعمار، وتخفف الضغط العسكري الإسرائيلي؛ ومن جهة أخرى، القبول بشروط تمس جوهر السيادة السورية.

إذ إن حظر الدفاعات الجوية ونزع الأسلحة الاستراتيجية يعني تقييد قدرة دمشق على حماية أجوائها وحدودها، وهو ما يفسره محللون بأنه "تنازل يمسّ جوهر السيادة"، حتى لو قُدِّم في إطار سلام شامل.

الكاتب والباحث السياسي عبدالله الحمد علّق على هذا البعد قائلا: "الرئيس أراد أن يكون صريحا وشفافا، تحدث بواقعية سياسية عالية، لكنه في الوقت نفسه أرسل رسائل طمأنة للداخل والخارج، ليقول إن سوريا ليست ساحة صراع بعد الآن".

ملف السويداء والدروز: عقدة الداخل

وسط الحديث عن إسرائيل والاتفاق الأمني، يطفو ملف الدروز جنوب سوريا كواحد من أعقد الملفات الداخلية. فقد دعا شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، إلى إعلان إقليم منفصل في الجنوب، وهو ما وضع القيادة السورية في مواجهة مباشرة مع مطالب الانفصال.

بالنسبة للشرع، جاءت رسالته واضحة: لا انفصال ولا محاصصة. لكن الربط بين ملف الدروز والاتفاق الأمني مع إسرائيل يطرح أسئلة عن دور الخارج في تغذية النزعات الانفصالية. فتل أبيب، وفق تقارير إعلامية سورية، كثفت تدخلاتها العسكرية في ريف دمشق ومنطقة بيت جن، حيث توغلت قواتها وسيطرت على مواقع استراتيجية في سفح جبل الشيخ.

الدور الأميركي

الرئاسة السورية أكدت أن المبعوث الأميركي الخاص، توماس باراك، زار دمشق وبحث مع القيادة السورية تفاصيل الاتفاق المرتقب. هذه الخطوة تفتح الباب أمام تنسيق سوري-أميركي مباشر، وهو تحول لافت في العلاقات بعد سنوات من القطيعة.

لكن هذا التنسيق يثير في الوقت نفسه مخاوف لدى بعض الأوساط السورية، التي ترى أن الوساطة الأميركية قد تفرض شروطا تُفرغ السيادة من مضمونها. إذ يشمل الاتفاق – بحسب التسريبات – التزام دمشق بعدم نشر أي دفاعات جوية باتجاه إسرائيل أو في العمق السوري، وهو ما اعتبرته مصادر سورية "شرطا مجحفا يهدد مستقبل البلاد الأمني".

مكاشفة واستراتيجية جديدة

الباحث عبدالله الحمد قدّم قراءة معمّقة لمقابلة الشرع، مشددًا على أنها لم تكن مجرد تصريحات بروتوكولية، بل "جلسة مكاشفة حقيقية".

وأوضح قائلاً: "الرئيس تحدث بشفافية، اعترف بالأخطاء السابقة، لكنه أكد أن سوريا لن تكون ساحة صراع، بل منفتحة على الجميع، وتسعى لبناء اقتصاد جديد. الرسالة كانت مزدوجة: طمأنة الداخل، وفتح قنوات مع الخارج".

كما لفت الحمد إلى أن الشرع طرح رؤية سياسية قائمة على رفض المحاصصة، وتبنّي حكومة تكنوقراط وطنية، إضافة إلى خطوات إصلاحية مثل الإعلان الدستوري، هيئة العدالة الانتقالية، والتحضير لانتخابات برلمانية.

سوريا الجديدة.. بين الانفتاح والقيود

يحاول الشرع تسويق نفسه كـ"نسخة جديدة" من القيادة السورية: منفتحة، شفافة، واقعية. فهو يعترف بأن "سوريا ارتكبت أخطاء"، لكنه يرفض أن تُختزل بلاده في أيديولوجيات الماضي.

خطابه جاء متقاطعًا مع مقالات سابقة للمستشار الإعلامي في الرئاسة، أحمد زيدان، الذي ألمح إلى إمكانية حل جماعة الإخوان. هذه الرسائل تحمل في طياتها توجها واضحا نحو إغلاق ملفات الإسلام السياسي، وفتح الباب أمام سياسة براغماتية تركز على "الروح الوطنية السورية".

الإعلام الإسرائيلي: بروباغندا مقابل وضوح سوري

منذ سقوط النظام السابق، تكثف الإعلام الإسرائيلي بث أخبار وتسريبات متضاربة عن المشهد السوري. لكن الشرع حاول الرد على هذه "البروباغندا" بتأكيد أن اتفاق 1974 هو خط أحمر، وأن أي تفاهمات مع إسرائيل ستدور في فلكه، ربما مع تحديثات، لكن "من دون تنازل".

وأشار إلى أن المجتمع الدولي جدّد مؤخرًا ولاية قوات "الأندوف" في منطقة الفصل بين سوريا وإسرائيل، وهو ما يراه مؤشرًا على وجود توافقات دولية للحفاظ على الوضع القائم.

بين السيادة والسلام: معادلة الشرع المعقدة

في النهاية، يقف أحمد الشرع أمام معادلة مزدوجة:

داخليا، عليه طمأنة السوريين بأن وحدة الدولة غير قابلة للمساومة، خصوصًا مع تصاعد أصوات الانفصال.

خارجيا، يسعى إلى اتفاق أمني مع إسرائيل قد يفتح باب إعادة الإعمار، لكنه يفرض قيودًا صارمة على السيادة السورية.

كما لخّص الحمد: "الرئيس يقول نحن اليوم لسنا امتدادا للماضي، نحن نسخة جديدة تمثل سوريا الجديدة. لكن التحدي الحقيقي هو: هل يمكن بناء سوريا جديدة من دون أن تُفرغ السيادة من مضمونها؟".

سوريا بين خيارين

الخطاب الذي قدّمه الشرع، والاتفاق الأمني المحتمل مع إسرائيل، يضعان سوريا أمام مفترق طرق تاريخي. فإما أن يكون الاتفاق مدخلًا إلى سلام مستدام يفتح باب إعادة الإعمار والانفتاح الاقتصادي، أو أن يتحول إلى سلام هش يقيد السيادة ويعمّق الانقسامات الداخلية.

أخبار متعلقة :