نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التطبيع في سوريا.. بين الدروس المصرية وفتاوى “الضرورات الشرعية”, اليوم الخميس 21 أغسطس 2025 09:52 مساءً
انتقلت اللقاءات الأمنية بين الحكومة السورية في دمشق ومسؤولين في الكيان الإسرائيلي من نطاق التسريبات الصحفية إلى الإعلان الرسمي، وذلك عقب الاجتماع الذي عُقد في باريس قبل أيام، حيث بحث الطرفان، وفق ما نقلته وكالة “سانا”، “عددًا من القضايا المتعلقة بتعزيز الاستقرار في المنطقة وجنوب سوريا”.
ويرى منتقدو مسار العلاقات بين سوريا والاحتلال الإسرائيلي أن دمشق أخطأت في تقدير طبيعة هذا الكيان، عندما اعتقدت أن تقديم التطمينات يمكن أن يقلل من عدائيته، أو أنه يمكن التعامل معه باعتباره “دولة جارة طبيعية” ذات تعريفات محدودة لأمنها القومي. ويؤكد هؤلاء أن جوهر “إسرائيل” يقوم على مشروع استعماري توسعي، وفي نسخته الراهنة مشروع إقليمي ممتد يسعى إلى فرض هيمنته وإخضاع المحيط بأكمله.
ويشير متابعون إلى أن دمشق تراهن على أن المفاوضات مع الاحتلال قد تفضي إلى تجديد اتفاق الهدنة ووقف التدخل في شؤونها الداخلية، غير أن هذه الرؤية تغفل عن حقيقة أن مسار التقسيم قد بدأ بالفعل، وأن الهدف الإسرائيلي من الانخراط في أي عملية تفاوضية لا يتجاوز محاولة إضعاف الإدارة الحالية في سوريا وخلق انطباع بوجود مسار “سلمي” يتيح لها متنفسًا مؤقتًا.
ويكتسب هذا اللقاء بين دمشق والاحتلال بعدًا أكثر حساسية إذا ما قورن بتطورات ميدانية متزامنة؛ إذ شهد اليوم ذاته اقتحام مجموعات من المستوطنين جنوب سوريا برفقة عائلاتهم، وإعلانهم عن تشييد أول بؤرة استيطانية هناك. وفي الوقت نفسه، تقف غزة على أعتاب اجتياح جديد، بعد عامين فقط من حرب الإبادة التي خلفت دمارًا واسعًا وخسائر بشرية غير مسبوقة.
كما يُنظر إلى هذا المسار من قبل بعض الجهات، باعتباره خطأً استراتيجيًا فادحًا وخطيئة أخلاقية جسيمة، سواء من الناحية الشرعية أو السياسية، شكلاً ومضمونًا. فمهما قدّمت دمشق من تنازلات، تؤكد بعض الجهات أن الاحتلال الإسرائيلي وحلفاءه من الأميركيين، لن يمنحوها الثقة. بل إن هدفهم الأساسي، وفق هذه القراءة، يتمثل في تجريد سوريا من رصيدها المعنوي وإضعاف مكانتها، فيما يستمرون في التحضير لإقصائها سياسيًا وربما استهدافها عسكريًا في المرحلة المقبلة.
وإلى جانب القراءة السياسية لهذه اللقاءات، برزت مقاربات ذات طابع فقهي سعت إلى تجاوز مجرد البحث في مشروعيتها، نحو محاولة إضفاء شرعية على التطبيع مع العدو الإسرائيلي تحت عنوان القاعدة الفقهية المعروفة بـ”الضرورات تبيح المحظورات”.
في هذا السياق، ذهبت بعض الجهات إلى تشبيه العلاقة الطبيعية مع الاحتلال بمسألة أكل الميتة في حالات الاضطرار، انطلاقًا من القاعدة الإسلامية التي تجيز المحظورات في الظروف القصوى.
وبرز اسم المعتقل السابق في سجن غوانتنامو، الذي طرح هذه الرؤية الفقهية في محاولة لتوفير غطاء شرعي للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بشأن مسألة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، معتبرًا أن الفتوى مرتبطة بزمانها ومكانها، وأن واقع سوريا الحالي يعبّر عن “ضرورة عظيمة جدًا” قد تبيح هذا النوع من المحظورات. وفي معرض دفاعه عن هذا الطرح، انتقد الكندري الأصوات المعارضة، قائلاً إن “الذي ينكر الضرورات الشرعية هو الذي يحكم بغير ما أنزل الله”.
كما وجّه الكندري انتقادات لمن يرفضون أي تقارب سوري–إسرائيلي، خصوصًا من الأوساط الإسلامية، دون أن يسمّي جماعة الإخوان المسلمين بشكل مباشر، لكنه ذكّر بأن أطرافًا محسوبة على هذا التيار تعاملت مع الولايات المتحدة في كل من أفغانستان والعراق. واستحضر كذلك تجربة المغرب، مشيرًا إلى أن التطبيع بين الرباط وتل أبيب جرى في عهد حكومة “العدالة والتنمية” المحسوبة على الإخوان.
هذا الطرح أسقط التطبيع مع الكيان الإسرائيلي على تفصيل فقهي، متجاوزًا للمخاطر الكبرى التي تنطوي عليها هذه العلاقة على مستوى الصراع العربي–الإسرائيلي وقضية القدس، وهي قضايا تُعدّ من الثوابت الإسلامية الراسخة.
وإلى جانب ذلك، فإن أي خطوة في اتجاه التطبيع تتعارض مع الإرث التاريخي السوري، لا سيما الدمشقي، الذي شهد في عصور سابقة مقاومة شرسة للغزاة، ومنهم المغول، رغم أن التحديات آنذاك كانت أعظم بكثير من الخطر الإسرائيلي الراهن.
ويكتسب ملف التطبيع بين سوريا والاحتلال الإسرائيلي أبعادًا إضافية في ظل الواقع الإقليمي الحالي، حيث يتواصل التمدد الصهيوني في الأراضي الفلسطينية ويجاهر قادة الاحتلال بمشاريعهم التوسعية، حتى على حساب دول الجوار، ومن بينها سوريا، في إطار ما يُعرف بمشروع “إسرائيل الكبرى” الذي تحدّث عنه قادة الاحتلال علنًا، وآخرهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي أكد عزمه على تطبيق هذا المشروع.
وتأتي سوريا في قلب هذا المخطط الإسرائيلي، إذ يُنظر إليها كدولة يُخشى أن تتحول – في حال قيام حكم إسلامي – إلى قاعدة دعم للمقاومة الفلسطينية.
ويرى مراقبون أن الاحتلال لا ينظر فقط إلى حكومة الرئيس الشرع، بل يضع في حساباته مستقبل سوريا ما بعد الشرع أيضًا. وبناء على ذلك، يسعى إلى ضمان أن تبقى سوريا، في الحد الأدنى، دولة تابعة تلتزم بقطع خطوط الإمداد عن المقاومة، على غرار الدور الذي تلعبه مصر في حصار قطاع غزة.
ويرى متابعون أن الكيان الإسرائيلي تمكّن بالفعل من تحقيق نصف أهدافه في سوريا من خلال وجود نظام يضمن منع تحوّلها إلى دولة مقاومة على غرار إيران أو داعمة لحزب الله في لبنان. ويعمل الاحتلال اليوم على استكمال أهدافه عبر إجهاض أي إمكانية لظهور مقاومة جديدة داخل الأراضي السورية.
وبناءً على هذه المعطيات، تجد السلطة السورية نفسها أمام مفترق طرق: فإما أن يتحوّل الرئيس أحمد الشرع إلى قائد سلطوي يفرض قبضته الأمنية على أي توجه مقاوم أو جماعات معارضة للاحتلال، وإما أن تسير الأمور في اتجاه آخر تفضّله كل من الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، يقوم على استنساخ التجربة المصرية في سوريا.
التجربة المصرية
وتتمثل هذه التجربة في دعم واشنطن للمؤسسة العسكرية المصرية بعد الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، وإعادة السيطرة على البلاد بعد أحداث “رابعة”. وهو السيناريو الذي يخشى البعض من تكراره في سوريا عبر انقلاب عسكري يطيح بالنظام الحالي.
ولم تنجح مراسلات مرسي مع قادة الاحتلال عام 2013، ومنها رسالته إلى الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز التي وصفه فيها بـ”الصديق”، في توفير غطاء سياسي له، كما لم تنجح تنازلات أحمد الشرع الأمنية لتل أبيب في منحه مظلة حماية.
ويستند مؤيدو التطبيع في دمشق إلى استمرار العلاقات المصرية–الإسرائيلية في عهد مرسي باعتبارها اجتهادًا فقهيًا يمكن القياس عليه لتبرير التطبيع السوري–الإسرائيلي.
في المقابل، يرى معارضو هذه الخطوة، خصوصًا من التيار الإسلامي، أن الرئيس أحمد الشرع تجاوز البعد الفقهي تمامًا ووضع العلاقات مع الاحتلال في إطار سياسي يهدف إلى تمرير خيارات خارجية غربية.
وتذهب بعض هذه الأصوات إلى حدّ تكفير الشرع نفسه، بدعوى “استعانته بالكافرين” و”عدم تطبيقه الشريعة الإسلامية”، معتبرة أن ذلك يطعن في شرعية حكمه. ومن أبرز من تبنّى هذا الطرح المصريان طارق عبدالحليم وهاني السباعي، حيث وصف الأخير الرئيس السوري بـ”الطاغوت”، معتبراً أنه وقع في “الكفر البواح” عبر ما أسماه “شرك التشريع” عقب إقراره الإعلان الدستوري في سوريا.
وأضاف السباعي أن الشرع ارتكب كذلك “موالاة أعداء الإسلام” من خلال علاقاته مع الولايات المتحدة والغرب، معتبرًا أن هذه العلاقات تُستخدم لتمرير أجندة علمانية داخل البلاد.
وفي هذا السياق، رفض السباعي تشبيه حكم أحمد الشرع بحكم محمد مرسي، معتبراً أن الإدارة السورية الحالية أقرب إلى النموذج العسكري في مصر. وتجدر الإشارة إلى أن السباعي وعبدالحليم كانا قد انتقدا مرسي أيضًا في حينه، واعتبراه حاكمًا مبتدعًا يجاوز حدّ الكفر.
تظل الأسئلة مفتوحة حول المسار الذي ستسلكه دمشق في المرحلة المقبلة، وما إذا كانت التجربة السورية ستعيد إنتاج سيناريوهات شهدتها المنطقة من قبل، عبر اتفاقيات سلام، أم ستفضي إلى معادلة مختلفة ترسم ملامح جديدة للعلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأخيرًا، يجدر التذكير بما قاله الشهيد الشيخ أحمد ياسين في معرض رده على الدعوات إلى التنازل أمام العدو الصهيوني بحجة ضعف الإمكانات: “من لا يستطيع الزواج.. لا يُباح له الزنا”.
المصدر: موقع المنار
0 تعليق