انسحاب أميركي من العراق.. إعادة تموضع أم تغيير قواعد اللعبة؟

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
انسحاب أميركي من العراق.. إعادة تموضع أم تغيير قواعد اللعبة؟, اليوم الاثنين 25 أغسطس 2025 11:26 صباحاً

هذه الخطوة المفاجئة، التي تأتي قبل الموعد الرسمي المتفق عليه مع الحكومة العراقية بحلول نهاية سبتمبر المقبل، تثير تساؤلات عميقة حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التغيير الاستراتيجي المفاجئ، وما إذا كان يعكس إعادة رسم لخارطة الوجود الأميركي في المنطقة.

نهاية مهمة التحالف الدولي

رسمياً، كان من المقرر أن تنتهي مهمة التحالف الدولي في العراق بحلول سبتمبر 2025 وفق الاتفاق المبرم بين بغداد وواشنطن. غير أن المصادر السياسية التي تحدثت لـ"سكاي نيوز عربية" أكدت أن الأميركيين أبلغوا نظراءهم العراقيين بقرار تسريع الانسحاب وعدم الالتزام بالجدول الزمني السابق.

هذا القرار يفتح الباب أمام قراءات متباينة: هل هو استجابة لضغوط داخلية أميركية؟ أم نتيجة لتطورات إقليمية وأمنية تجعل بقاء القوات الأميركية في العراق أكثر خطراً من رحيلها؟

قلق أميركي متزايد من الإرهاب

في موازاة خطوة الانسحاب، عبّرت السفارة الأميركية في بغداد عن قلق بالغ من توسع نشاط تنظيمي داعش والقاعدة في المنطقة.

وأكدت واشنطن أنها ستواصل تعزيز شراكاتها الإقليمية لمكافحة الإرهاب، مما يطرح سؤالاً محورياً: إذا كان الخطر الإرهابي قائماً، فلماذا تسرّع الولايات المتحدة انسحابها من العراق؟

البعض يرى أن واشنطن تعوّل على تحالفات إقليمية ثنائية أكثر مرونة وأقل تكلفة من التواجد المباشر على الأرض، بينما يعتقد آخرون أن الولايات المتحدة تعيد توزيع قواتها لمواجهة تحديات أخرى أكثر إلحاحاً في المنطقة.

الموقف العراقي: داعش لم يعد خطراً وجودياً

من جانبه، رد المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية صباح النعمان على المخاوف الأميركية مؤكداً أن خلايا داعش باتت "مشلولة ولا تشكل خطراً على العراق".

النعمان شدد على أن الحدود العراقية مؤمنة بالكامل، وأن الجيش يواصل ملاحقة فلول التنظيم عبر عمليات أمنية واستخباراتية دقيقة.

هذا الموقف يعكس ثقة عراقية متزايدة بقدرة القوات الوطنية على إدارة الملف الأمني، لكنه يثير في المقابل شكوكاً حول ما إذا كان هذا التقييم يتوافق مع المخاوف الأميركية والدولية.

الحشد الشعبي يعود إلى الواجهة

مع بدء الانسحاب الأميركي، عاد مشروع قانون الحشد الشعبي إلى دائرة الجدل السياسي. واشنطن ترى أن تمرير القانون سيعزز من النفوذ الإيراني داخل العراق، وتتعامل معه كخطوة تصعيدية قد تستدعي إعادة تقييم التزاماتها الأمنية. في المقابل، تعتبر قوى عراقية عديدة أن إقرار القانون يمثل ورقة سيادية تكرّس واقعا أمنيا جديدا بعد خروج التحالف الدولي.

هنا يتحول القانون إلى أداة ضغط استراتيجية في صراع النفوذ بين واشنطن وطهران على الساحة العراقية، ويضع الحكومة أمام معادلة معقدة بين متطلبات السيادة الوطنية وضغوط التوازنات الإقليمية.

القوات العراقية أقوى من أي وقت مضى

في حديثه لـ"التاسعة"، قلّل مستشار رئيس الوزراء العراقي حسين علاوي، من أهمية المخاوف بشأن قدرة الجيش على مواجهة التحديات الأمنية بعد الانسحاب الأميركي.

وقال علاوي: "هناك محاولة تهويل للموضوع، كون القوات المسلحة العراقية اليوم قوية، وليست في لحظة سقوط الموصل أو أحداث 2003".

وأشار إلى أن العراق يعمل مع شركائه في التحالف الدولي، ومع حلف الناتو، على تطوير قدراته العسكرية والاستخباراتية.

كما أكد أن الأولويات الأمنية قد تغيرت، حيث باتت المخدرات تحتل المرتبة الأولى في استراتيجية الأمن القومي العراقي 2025 – 2030، بينما أصبح تهديد داعش في المرتبة الثانية.

من التعاون الدولي إلى الشراكات الثنائية

أوضح علاوي أن المرحلة المقبلة ستشهد انتقال العلاقات الأمنية بين العراق ودول التحالف الدولي إلى علاقات ثنائية قائمة على اتفاقيات استراتيجية، سواء مع الولايات المتحدة، أو المملكة المتحدة، أو ألمانيا، أو دول الاتحاد الأوروبي.

كما لفت إلى أن هناك تعاوناً مع دول أخرى مثل فرنسا وكوريا الجنوبية وروسيا والصين في مجال التسليح والتدريب العسكري.

هذا التحول يعكس رغبة بغداد في مأسسة قواتها المسلحة بعيداً عن الاعتماد على تحالف دولي واسع، وبما يعزز استقلالية القرار الأمني العراقي.

تهديد داعش بين الواقع والتهويل

رغم اعتراف علاوي بوجود جيوب صغيرة للتنظيم الإرهابي في مناطق زراعية متفرقة، شدد على أن هذه الفلول تحت السيطرة الأمنية والاستخباراتية، وأن القوات الجوية العراقية تنفذ بين الحين والآخر ضربات دقيقة ضدها.

وأضاف أن "الموجة الكبرى للتنظيم بين عامي 2014 و2017 قد انتهت"، مؤكداً أن التهديد لم يعد استراتيجياً كما كان في السابق.

لكن في المقابل، تستند واشنطن والأمم المتحدة إلى تقارير تشير إلى تمدد داعش في شمال أفريقيا وانتقال نشاطه إلى مناطق أخرى، ما يجعل الخطر قائماً على المستوى الإقليمي وربما العالمي.

إصلاح القطاع الأمني ومسار الحشد الشعبي

أشار علاوي إلى أن العراق يمضي في إصلاح قطاعه الأمني عبر مأسسة أجهزة كالأمن الوطني والمخابرات الوطنية وهيئة الحشد الشعبي، مؤكداً أن مسودة قانون الحشد ما تزال في البرلمان، وأن القرار النهائي بشأنها يعود للقوى السياسية.

هذا الملف قد يشكل محوراً حساساً في مستقبل العلاقة بين بغداد وواشنطن، خصوصاً إذا اعتبر الأميركيون أن القانون يفتح الباب واسعاً أمام تعاظم نفوذ طهران في الساحة العراقية.

رؤية الحكومة العراقية

كشف علاوي أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لديه رؤية واضحة تقوم على النأي بالعراق عن الصراعات الإقليمية، والتمسك بالدبلوماسية والحوار كمدخل لحماية الاستقرار.

وقال: "العراق يسعى إلى إيجاد نظرية جديدة للأمن الإقليمي قائمة على الحوار، مع الالتزام بحماية البعثات الدبلوماسية وبناء القوات المسلحة العراقية".

بهذا المعنى، يبدو أن بغداد تريد موازنة الانسحاب الأميركي بمزيد من الانفتاح على شركاء متعدّدين دولياً وإقليمياً، مع الحفاظ على التزاماتها في مكافحة الإرهاب.

واشنطن بين الانسحاب وإعادة التموضع

في نهاية المطاف، يظهر أن تسريع الانسحاب الأميركي لا يعني تخلي واشنطن عن العراق بالكامل، بقدر ما يعكس إعادة تموضع استراتيجي يتيح لها تخفيف الأعباء الميدانية مع الحفاظ على نفوذ سياسي وأمني عبر الشراكات الثنائية.

الانسحاب من قاعدتي عين الأسد وفكتوريا قد يكون خطوة في مسار أوسع يعيد رسم خريطة التواجد الأميركي في الشرق الأوسط، ويضع العراق أمام اختبار حقيقي لقدرة قواته على إدارة المرحلة المقبلة.

تسريع الانسحاب الأميركي من العراق يطرح معادلة معقدة: واشنطن تسعى لتقليص التزاماتها الميدانية دون خسارة نفوذها، بينما تؤكد بغداد جاهزية قواتها وتطرح أولوية جديدة للأمن القومي. لكن ما بين مشروع قانون الحشد الشعبي، والتهديدات المتجددة لداعش، والتوازنات الإقليمية، يبقى مستقبل العراق الأمني رهين قدرة بغداد على إدارة استقلالها من دون الانزلاق في فراغ استراتيجي قد تستفيد منه قوى أخرى.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق