سوريا بين الوحدة والانتقال السياسي.. معادلة الشرع الصعبة

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سوريا بين الوحدة والانتقال السياسي.. معادلة الشرع الصعبة, اليوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025 12:26 مساءً

تصريحات الشرع تعكس محاولة واضحة لرسم خريطة سياسية واقتصادية جديدة لسوريا، تتجاوز أيديولوجيات الماضي، وتعتمد على المرجعية الاقتصادية والتكامل الإقليمي مع دول الجوار مثل العراق ولبنان، وربما أبعاد أبعد، بهدف إعادة بناء الدولة وإعادة وضعها على الساحة الإقليمية والدولية.

وفي ظل هذه التحولات، يواجه الشرع تحديات جمة، أبرزها الحفاظ على وحدة البلاد، التعامل مع المكونات المجتمعية المختلفة، إدارة العلاقات مع القوى الإقليمية والدولية، وضمان استقرار اقتصادي وأمني يعزز من موقف الحكومة السورية الجديدة.

حل الإخوان.. خطوة نحو التخلص من عبء الماضي

مستشار الرئيس السوري للشؤون الإعلامية، أحمد موفق زيدان، دعا بشكل مباشر تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا إلى حل نفسه، على غرار الفصائل العسكرية والسياسية الأخرى، مشيراً إلى أن "حل التنظيم اليوم كما فعلت المكونات الأخرى يخدم البلاد الذي هو رأس مالنا جميعا".

وزاد زيدان: "تنظيم يرفض أن يتأقلم مع الظروف الداخلية والإقليمية والدولية تجاوزته، فهو محكوم عليه بالاندثار كما الديناصور عندما عجز عن التأقلم".

هذا التحليل يعكس رؤية القيادة السورية بأن استمرار الإسلام السياسي يشكل عبئا على الدولة ويعيق أي تحرك جدي نحو إعادة الاستقرار الداخلي، ويرسخ فكرة أن التخلص من هذا العبء هو شرط أساسي لإعادة ترتيب البيت السوري وإعادة الثقة في الحكومة.

وحدة سوريا.. خط أحمر وتحديات المكونات

أكد الشرع على أن وحدة سوريا تمثل خطا أحمر، وأن أي حديث عن الانفصال أو المحاصصة مرفوض تماما.

تأتي هذه التصريحات في وقت يطلق فيه بعض الشخصيات المحلية، مثل شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، دعوات لإعلان إقليم مستقل للدروز في جنوب سوريا.

واعتبر فراس النائب، أستاذ العلاقات الدولية ورئيس مركز استراتيجيا للدراسات، أن هذه التصريحات تمثل براغماتية سياسية واضحة لدى القيادة السورية. وقال في حديثه مع سكاي نيوز عربية: "كل من هذه الأمور تتكامل لتظهر لنا هذا المشهد الذي يعني نوعاً من البراغماتية السياسية الكبيرة لدى القيادة السورية، وخاصة فيما يتعلق بالإسلام السياسي الذي يمكن أن يعتبر مقتلًا للعقد الاجتماعي الداخلي والعقد التصالحي مع الخارج".

وأضاف النائب خلال حديثه إلى "غرفة الأخبار" أن هذه البراغماتية تأتي في سياق التعامل مع مشهد داخلي مليء بالتناقضات والضبابية، خصوصا فيما يتعلق بالمواقف الأميركية والإسرائيلية، مشيراً إلى أن الخروج عن عباءة الإسلام السياسي يمثل خطوة مهمة لترتيب البيت الداخلي وتهيئة الأرضية للتسوية مع المحيط العربي والدولي.

مواجهة الانفصالية.. دروس من السويداء

أشار فراس النائب إلى أن أي نزعات انفصالية تحتاج إلى بيئة حاضنة ودعما خارجيا، وهو ما لا يتوفر حاليا في سوريا، مؤكداً على أهمية وطنية المكونات مثل الطائفة الدرزية، قائلاً: "الانفصال عن سوريا يعني الانضمام إلى غير سوريا، لكني أعول على وطنية المكون الدرزي الكريم الذي يجب أن يرى في الوطن السوري، بعيداً عن الأشخاص، وطنا له منذ آلاف السنين".

وأوضح أن الحكومة السورية مطالبة بالتعامل مع جميع أبنائها، حتى من تسببوا في الانقسامات السابقة، "لا أن تخونهم في ظل هذه الجراحات"، مشددا على أن الحل ليس في الانفصال، بل في المشاركة السياسية الفعلية ضمن الدولة.

التحديات الدستورية والسياسية

من جانبها، ركزت الكاتبة والباحثة السياسية، ميس الكريدي، خلال حديثها لغرفة الأخبار على ضرورة التركيز على العلاقة بين النظام والشعب السوري، والتي تتطلب عقدا مدنيا ودستوريا، مؤكدة أن المرحلة الانتقالية هدفها تأهيل البلاد للانتخابات المقبلة وإعادة اللاجئين، وليس تثبيت السلطة الحالية أو وضع استراتيجيات بعيدة عن الحوار السوري-السوري.

كما نوهت إلى أن بعض التلميحات عن الإسلام السياسي تعكس قلقا بشأن قدرة التحول السياسي الفعلي، وقالت: "التصريحات تشير إلى توجه نحو الإسلام السياسي، مما يزيد المخاوف حول المستقبل السياسي لسوريا".

الكريدي أكدت أيضاً على ضرورة إعادة النظر في المراجعات القانونية السابقة، مشيرة إلى غياب المصداقية في معالجة القضايا المتعلقة بالمجرمين السابقين، وهو ما يعكس عدم استعداد السلطة الحالية لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وضرورة وضع خطة للتحول الدستوري والتوافقي مع كافة المكونات.

الموقف الدولي

من واشنطن، قال الدبلوماسي السابق مسعود معلوف، إن الرئيس الشرع يسعى لإرضاء الولايات المتحدة عبر تأكيده على وحدة سوريا وابتعاده عن الجماعات المتطرفة، بما يساهم في تخفيف العقوبات.

وقال معلوف: "الرئيس يحاول أن يظهر للأميركيين أن هناك تحركا جديدا ونظاما جديدا في سوريا، لكن يبقى السؤال: هل هذه تصريحات كلامية فقط أم أنها ستترجم إلى أعمال على الأرض؟"

وأشار إلى أن إسرائيل بقيادة نتنياهو قد تدعم بعض المكونات المحلية لتحقيق مصالحها الإقليمية، خصوصاً في مناطق مثل السويداء، في حين تسعى الولايات المتحدة لضمان تقارب النظام السوري الجديد مع إسرائيل.

وأضاف: "ألا يمكن أن يكون دعم بعض هذه المكونات جزءاً من مخطط أوسع لإضعاف النظام السوري الجديد؟"

هذه التحليلات تعكس الانقسام في المصالح الدولية، حيث تتقاطع الولايات المتحدة وإسرائيل أحياناً في الأهداف، بينما تتباين في التفاصيل المتعلقة بالسياسة السورية الداخلية.

التحديات الاقتصادية.. بناء التكامل الإقليمي

تواجه الحكومة السورية الجديدة تحديات اقتصادية ضخمة، في ظل ضرورة تحقيق تكامل اقتصادي مع دول الجوار، خصوصاً العراق ولبنان، وربما مناطق أبعد، بهدف تعزيز الاستقرار الداخلي وتقوية قدرة الدولة على مواجهة الضغوط المحلية والخارجية.

في هذا الخصوص، أوضح فراس النائب، أن خروج الحكومة السورية عن عباءة الإسلام السياسي ليس فقط خياراً سياسياً، بل شرط أساسي لإنجاح المشاريع الاقتصادية والاجتماعية الجديدة، لأن أي دعم عربي أو غربي قد يتراجع في حال استمرار الإقصاء أو الانقسام الداخلي.

دروس الماضي

من جهته، أكد مصطفى النعيمي، الكاتب والباحث السياسي، أن المجتمع السوري ما زال يعاني من إرث الانقسامات والصراعات الداخلية، والتي زادتها تدخلات خارجية ودعم مجاميع مسلحة خارجة عن القانون. وقال النعيمي: "الغالبية العظمى من السوريين تؤيد الانتقال من الفوضى إلى الاستقرار، لكن أي تحول سياسي حقيقي يحتاج إلى محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات السابقة، بعيداً عن فوبيا التوظيف السياسي أو الطائفي".

وأضاف أن بعض المناطق ما زالت خارج سيطرة الدولة، مثل الرقة ودير الزور، وأن التعامل مع هذه المناطق يتطلب دمجها في العملية السياسية من خلال اتفاقيات وتفاهمات واضحة، لتجنب الانقسام أو خلق سلطة موازية.

نحو استقرار مستدام أم تحديات مفتوحة؟

رغم الطموحات المعلنة، يبقى اختبار الرئيس أحمد الشرع حقيقياً لترجمة تصريحاته إلى واقع ملموس. الابتعاد عن الإسلام السياسي، ضمان وحدة البلاد، التعامل مع المكونات الداخلية، بناء شراكات إقليمية ودولية، وإدارة الملفات الاقتصادية والأمنية، كلها معادلات دقيقة تحتاج إلى حكمة سياسية ودبلوماسية عالية.

الرهان الآن على قدرة القيادة السورية على تحقيق توازن بين الطموح السياسي والواقع الداخلي والإقليمي، لإعادة سوريا إلى مرحلة الاستقرار المستدام، بعيداً عن الانقسامات والتدخلات الخارجية، مع مراعاة حقوق الشعب السوري ومصالحه العليا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق