القمع السياسي في أوروبا بذريعة حماية إسرائيل

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القمع السياسي في أوروبا بذريعة حماية إسرائيل, اليوم الأربعاء 27 أغسطس 2025 02:34 مساءً

في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد الأحداث في فلسطين واتساع موجات التضامن الشعبي عالميًا، برزت مفارقة صارخة في ممارسات الديمقراطيات الغربية. هذه الدول التي طالما تغنّت بحرية التعبير والحق في التظاهر السلمي، سرعان ما تحولت إلى قمع الأصوات المعارضة عندما يتعلق الأمر بالاحتجاجات المؤيدة لفلسطين أو الناقدة لسياسات إسرائيل. فما كان يُنظر إليه كحوادث فردية أصبح اليوم نمطًا ممنهجًا في دول مثل ألمانيا وبريطانيا وهولندا، حيث يُمارس التضييق عبر أدوات قانونية وأمنية، وصولاً إلى تجريم التعبير السلمي ووصمه بمعاداة السامية.

ألمانيا، التي تقدم نفسها كحامية لحرية التعبير بعد الحرب العالمية الثانية، اتخذت إجراءات مشددة ضد كل من يعبّر عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني. لم يقتصر الأمر على تقييد حقوق التظاهر السلمي واستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين ، حيث شمل حظر رفع العلم الفلسطيني وارتداء الكوفية وحتى استخدام الرموز الثقافية المرتبطة بفلسطين. في برلين

وقد  مثّل قمع “مؤتمر فلسطين” “Palestine Congress” محطة بارزة في أبريل 2024 حيث اقتحمت الشرطة الالمانيه القاعه ، وأوقفت البث المباشر، منعت المتحدثين، بل ورحّلت شخصيات بارزة مثل الطبيب البريطاني-الفلسطيني غسان أبو ستة. الأخطر أن السلطات أدرجت شرطًا سياسيًا في اختبارات التجنّس، يُلزم المتقدمين بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ما يجعل الجنسية مرتبطة بموقف سياسي محدد، في تناقض صارخ مع الحياد الديمقراطي. كما وثقت تقارير حقوقية استخدامًا مفرطًا للقوة ضد المتظاهرين بما فيهم أ لأطفال والقُصّر

وقد دفع  ذلك مفوض حقوق الإنسان في  مجلس اوربا مايكل أوفلاهرتي، الي الاعراب عن قلقه إزاء طريقة تعامل السلطات الألمانية مع التظاهرات المناهضه للحرب في غزه في رساله وجهها إلى وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبرينت، وانتقد فيها القيود المفروضة على حرية التجمع والتعبير أثناء تلك الاحتجاجات موضحاً  أن هناك تقارير أفادت بحدوث "عنف مفرط" من جانب الشرطة الألمانية ضد المتظاهرين، مؤكداً  أن هذه الإجراءات “تتعارض مع التزامات ألمانيا الدولية في مجال حقوق الإنسان”، ودعا إلى الكف عن استخدام قوانين مكافحة معاداة السامية لتقييد حرية التعبير والتجمع، ومع ذلك، ظلّت المؤسسات الألمانية الكبرى مثل فريدريش ناومان وكونراد أديناور وفريدريش إيبرت في صمت تام، هذه المؤسسات التي أقامت عشرات الفعاليات لدعم الشباب خلال “الربيع العربي”، لم تجد الجرأة لإصدار بيان يُدين قمعًا مشابهًا يُمارس علي الأراضي الالمانيه وفي قلب أوروبا، اذ اشارت تقارير للبرلمان الأوروبي إلى اعتقال اعداد كبيره من المتظاهرين في ألمانيا خلال أقل من عشرة أيام بعضها انتهى بإصابات خطيرة نتيجة تدخل الشرطة

في يوليو 2025، صنّفت الحكومة البريطانية حركة Palestine Action (حركة العمل من أجل فلسطين) كمنظمة إرهابية، رغم أن نشاطها يندرج ضمن احتجاجات مدنية،  هذا القرار فتح الباب أمام حملة اعتقالات واسعة طالت المئات ممن رفعوا لافتات كتب عليها: “I oppose genocide. I support Palestine Action”. شملت الاعتقالات مسنين وذوي إعاقة ومتظاهرين سلميين لم ينخرطوا في أي عنف. في احتجاج واحد أمام البرلمان تجاوز عدد المعتقلين خمسمائة شخص، في مشهد يعكس الردع المقصود. لجنة حقوق الإنسان البريطانية أعربت عن قلقها من “النهج المفرط”، فيما حذّر قضاة سابقون وشخصيات قانونية بارزة من الخلط بين النشاط السلمي والإرهاب، معتبرين ذلك تهديدًا مباشرًا لجوهر الديمقراطية. منظمة العفو الدولية بدورها طالبت بالإفراج عن المتظاهرين السلميين، مؤكدة أن دعم فلسطين لا يمكن أن يُصنَّف إرهابًا.

وفي هولندا، اتخذ القمع طابعًا مختلفًا. فمنذ 2024، قادت الجامعات موجة احتجاجات طلابية تطالب بقطع العلاقات الأكاديمية مع المؤسسات الإسرائيلية. لكن تدخل الشرطة جاء عنيفًا، خصوصًا في جامعة أمستردام حيث اعتُقل نحو 170 طالبًا خلال يومين فقط، واستخدمت قوات الأمن جرافة لهدم الحواجز داخل الحرم الجامعي. هذه المشاهد أعادت للأذهان صور المواجهة بين الطلاب والشرطة في عقود سابقة، وأثارت جدلاً واسعًا: بين من اعتبرها قمعًا صريحًا لحرية التعبير ومن رآها تطبيقًا للقانون. وعلى النقيض، شهدت مدينة لاهاي مسيرة “الخط الأحمر” التي ضمّت عشرات الآلاف، وسارت سلمية دون تدخل أمني يذكر. هذا التباين يكشف ازدواجية واضحة: إذا كان الاحتجاج السلمي مقبولًا في الفضاء العام، فلماذا يُقمع بعنف حينما يصدر من الطلبة؟

وقد ادت مواقف المنظمات الحقوقية العالمية الي إحراج الحكومات الأوروبية. فإلى جانب منظمه العفو الدولية، أكدت هيومن رايتس ووتش أن التعامل الأمني مع الاحتجاجات في عدد من الدول الاوربيه يعكس نزعة خطيرة لتجريم التضامن مع فلسطين، بل ويمتد إلى تمييز عرقي وثقافي ضد الجاليات العربية والفلسطينية والاسلاميه. وحذّرت من استغلال المخاوف الأمنية لتبرير قوانين تُفرغ حرية التعبير من مضمونها، داعية إلى الفصل بين النقد السياسي لإسرائيل وبين معاداه الساميه وكراهيه اليهود.

فما يجمع الحالات الثلاث هو أنها تكشف أزمة عميقة في الديمقراطية الغربية. فالحريات لا تُختبر عندما تنسجم مع سياسات الدولة، بل عندما تتسع لانتقادها. ومع ذلك، يبدو أن هذه الديمقراطيات ترسم استثناءً صارخًا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل فالنقد يتحول إلى معاداة للسامية، والتظاهر يُجرَّم بذريعة الأمن القومي، والرموز الثقافية تُحظر وكأنها تهديد مباشر.

وعلي الرغم من تصاعد الرأي العام المناهض للحرب في غزه ولجرائم التطهير العرقي والاباده الجماعيه التي ترتكبها اسرائيل ضد الفلسطينيين ، إلا ان هناك مجموعه من الدول الاوربيه التي تعرقل قيام الاتحاد الأوربي بفرض عقوبات جماعيه علي اسرائيل سواء بتجميد اتفاقيه المشاركه معها او بتجميد استفاده اسرائيل من برنامج هورايزون حيث تأتي المعارضه من قبل المانيا وهولندا والمجر والتشيك والي حد ما ايطاليا أيضاً .  

تُظهر السياسات المتبعة في الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا وهولندا، هاجسًا مفرطًا من خسارة العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل أو التعرّض لاتهامات بمعاداة السامية. غير أن هذه السياسات تكشف في جوهرها أن الحريات المعلنة في تلك الديمقراطيات ليست مطلقة، بل خاضعة لاعتبارات السياسة والمصالح. فالقضية لم تعد مرتبطة بفلسطين وحدها، بل باتت تمثل اختبارًا لمصداقية التزام أوروبا نفسها بقيم الحرية والديمقراطية: إما أن تبرهن على جدية هذه القيم، أو تكشف عن ديمقراطية انتقائية تُصادر الحق في التعبير كلما تعارض مع مصالحها الاستراتيجية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق