نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القوة الناعمة على حافة العبث من يعيد ضبط بوصلة الفن المصري؟, اليوم الخميس 21 أغسطس 2025 02:33 صباحاً
يُحكى أن مهنة عظيمة يسمونها "الفن"، يطلبها الباحثون عن الصدق والإبداع، ممن تسوقهم مشاعرهم، ومواهبهم في طريق محفوف بالعرق والتدريب والانضباط، يسيرون فيه نحو نهضة حقيقية ترتقي بالنفس البشرية وتذيقها حلاوة الجمال، وإذ فجأة، في لحظة أشبه ببوادر آخر الزمان، عرج الطريق نحو منحدر أعوج برز في نهايته "سوق" مفتوح يدخله مَن يشاء، دون بوابات تعرّف على الهوية، تذاكر دخوله مجانية دون شروط أو موهبة أو مسؤولية، يكفي فقط أن يلتقط أحدهم فيديو مثيرًا للجدل، حتى لو كان محتواه "ريّان يا فجل"، يهتفون له: "الله يا فنان".. وبعد أن كانت "بوصلة الفن" لا تتحرك إبرتها إلا نحو المواهب الحقيقية، أصبحت الآن مجرد "قطعة معدن" ضائعة حائرة وسط "مغناطيسات السوشيال ميديا"، يتلاعب بها التريند في كل اتجاه، ليضيع الذهب وسط ضجيج النحاس، في سوق مزدحم بـ"بشر تختبئ ملامحهم خلف أستار الفلاتر"!
المشهد الأول/ داخلي:
فلاش باك، قبل أن تتلون الوجوه، تظهر مجموعة لقطات متوازية، أبيض وأسود، تبدو كمشهد واحد من فرط تناغمها، هنا عبد الحليم حافظ واقف على مسرح، قلبه يعتصر مع كل آهة غناء، ولقطة أخرى لأم كلثوم تذيب روحها على ضفاف حنجرتها، والجمهور يرتدي أفخم الثياب، جالس ينصت بكل احترام.
في الخلفية ينساب صوت "الراوي": "في الزمن الجميل كان النجم بعيدًا، يحلق في سموات الإبداع، في عرض مبهر يستحق التصفيق، لا مقطع رديء يستحق الحذف!!".
المشهد الثاني/ خارجي:
فلاش باك، أيضًا، وادي الملوك بالأقصر، من كواليس فيلم "صراع في الوادي"، يقف النجمان فاتن حمامة وعمر الشريف، وسط الكومبارس، في صمت مهيب، وانتباه لتعليمات المخرج يوسف شاهين، وهو يصر على إعادة المشهد للمرة العاشرة، يأتي صوت الراوي: "حين كان الفن مبنيًا على احترام الوقت وعقلية الجمهور، قبل استحداث عدد المتابعين".
المشهد الثالث/ داخلي:
قفزة زمنية، مسرح حديث، أضواء ليزر، آلاف الجماهير واقفة تمسك بموبايلات مضيئة شاشاتها، صرخات في كل اتجاه، يتراقص مطرب تغطي الكاميرات وجهه، ويحرك شفاهه بينما يخرج صوته من السماعات (بلاي باك)، ويعلو صوت الراوي: "إذا وقع المطرب على خشبة المسرح، ستنهال المشاهدات أكثر من الأغنية التي لا يحفظها ولا يغنيها الآن، أصبح اللحن مشهدًا ثانويًا، أما المشهد الرئيسي فهو لقطة مثيرة تدغدغ الـ"تيك توك"!!
المشهد الرابع / داخلي:
تقف شيرين عبد الوهاب على خشبة المسرح تلقي نكتة سخيفة عن مياه النيل، يضحك البعض، ويكتب آخرون تغريدة: "إهانة الوطن"، ويأتي صوت الراوي: "في زمن المنصات، لا بد أن تنتشر النيران، قبل التفكير في الغفران".
المشهد الخامس/ داخلي:
حفل زفاف، عمرو دياب يغني، يقترب منه معجب أكثر من اللازم، بووووم، صفعة على وجه الشاب، يقف الشريط في وضع ثابت على مانشيت "تريند العام"، يرتعش صوت الراوي: "آهو ده التاتش الجديد، بس على الخد مش على القلب".
المشهد السادس/ خارجي:
لوكيشن تصوير، يتراص عشرات الكومبارس تحت الشمس الحارقة، ينتظرون النجمة التي تأخرت عن موعدها ثلاث ساعات، تتهادى بالدخول فيهرع إليها الجميع، ترمقهم بنظرة لا مبالاة قائلة: "خلي الإنتاج يجيب لي سوشي، وقولوا للمؤلف يبعتلي مشهد النهاردة"، ويأتي صوت الراوي: "طبعًا عارفين إن ست الكل تبقى مرات المنتج".
المشهد السابع/ خارجي:
جنازة فنان كبير، الكاميرات أكثر من المشيعين، تتداخل الميكروفونات داخل النعش، ويتسابق البعض لالتقاط "سيلفي" مع الفنانين الباكين، ويأتي صوت حزين للراوي: "حتى الموت بقا تريند، والدموع HD".
المشهد الثامن/ داخلي:
فنان جالس في منزله، يتصفح أنستجرام، يكتب ردًا غاضبًا على معجب استفزه، وتتنوع التعليقات بين: "حارق دمهم يا نجم"، و"عيب اللي بتقوله"، و"شوف شغل يا فاشل"، ويعلق الراوي: "عندما يقابل الفنان جمهوره على مدار 24 ساعة، تنهار المسافات وتحدث الكارثة".
المشهد التاسع/ داخلي:
مسابقة مواهب، في ستوديو فخم، لجان تحكيم متأنقة، تتعمد الكاميرا التركيز على ملابس المواهب، وتعبيرات وجوه لجان التحكيم، لاقتناص هفوة صادرة من أحدهم، يفسرها الراوي: "برامج المواهب تبحث فقط عن اللقطة التي تحدد إنتاج موسم جديد، ولا عزاء للموهوبين".
المشهد العاشر/ خارجي:
شارع واسع مليء بألوان لافتات مضيئة، على أحد الكافيهات المزدحمة بالشباب والدخان، تلمع شاشة تليفون بمقطع فيديو للفنانة بدرية طلبة، تطلق نظرات حادة وألفاظاً هجومية، في بضع دقائق حققت ملايين المشاهدات، ويكتفي الراوي بأربع كلمات: "أتعرف ما معنى الكلمة؟؟".
المشهد الحادي عشر/ داخلي:
قاعة كبيرة في مبنى قديم، لقطة قريبة لافتة "نقابة المهن التمثيلية"، بجوارها لافتة "نقابة المهن الموسيقية"، ترابيزة اجتماعات اصطف حولها العشرات، أمام كل منهم ملف ضخم، مكتوب على غلافه "خطة إنقاذ الفن"، لقطة قريبة ليد تفتح ملفًا، ونرى مجموعة مقترحات، منها: اختبار موهبة إلزامي لكل متقدم، إخضاع الفنانين لبرامج تدريبية للتعامل مع السوشيال ميديا، تجريم الإساءة للجمهور أو استغلال الشهرة، تشكيل لجان تقييم ومتابعة، إعادة النظر في ملف العضويات، وضع ضوابط رادعة لكل من يسيء لقيمة الفن المصري، وإنتاج محتوى يحترم عقول المشاهدين، وتقترب الكاميرا من الورقة الأخيرة المكتوب عليها: "إعادة الفن من البث المباشر.. إلى القلب المباشر"، ويأتي صوت الراوي: "مازال هناك أمل في ضبط اتجاه بوصلة الفن.. بشرط تحديد مفهوم الفنان الحقيقي".
المشهد الأخير/ خارجي
حديقة مزهرة، الكاميرا تقترب من شجرة وارفة الظلال، ملقى تحتها برواز ذهبي لفنان من الزمن الجميل، تلتقطه يد شابة تنظفه برفق، وتعلقه على الشجرة تاركة بجواره مساحة فارغة تنتظر صورة جديدة، وفي الخلفية صوت تصفيق، ويأتي صوت الراوي في نبرة هادئة وملهمة: "يمكن الصورة اتكسرت مرة.. لكن الإطار لسه موجود، وكل جيل عنده فرصة يعلق صورته جنب الكبار، لو عرف يدوّر على المعنى قبل ما يدوّر على المعجبين".
أخبار متعلقة :