عشرة نيوز

«الأسبوع» ترصد الواقع الميداني والإنساني قبل اجتياح «غزة»

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
«الأسبوع» ترصد الواقع الميداني والإنساني قبل اجتياح «غزة», اليوم الخميس 21 أغسطس 2025 02:33 صباحاً

وسط لهيب الحرب ودوي المدافع، تبدو الخيارات محدودة جدًا بالنسبة لـ«حسين عبد الجواد كرسوع». جدران منزله المتصدعة في حي الزيتون بمدينة غزة، تظلل والده العجوز (75 عامًا) وبناته «الشابات اللواتي لم يعد أمامهن سوى الاحتماء بالبيت المهدد في أي لحظة»، وفق حديثه لـ«الأسبوع»، عن التداعيات المرتقبة لقرار المجلس الوزاري- الأمني المصغر في إسرائيل (الكابينيت) باجتياح المدينة.

تكثر الهواجس التي تفرض نفسها على تفكير «كرسوع» وحوالي مليون و500 ألف فلسطيني يعيشون في مدينة غزة، أحد أهم مناطق القطاع، بعدما صادق الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) على خطة الاجتياح العسكري المرتقبة، وهنا (كما يقول كرسوع): «يصبح الخيار قاسيًا: البقاء تحت القصف، أو الارتحال إلى المجهول حيث الجوع والتشرد والاكتظاظ الخانق».

بعزيمة لا تخلو من تسليم بالقضاء والقدر، يقول «كرسوع»: الاحتماء بجدران المنزل، رغم الخطر المحدق، يظل أهون من مواجهة مصير النزوح المرير. «كيف أترك والدي المسن وبناتي لمصير لا يليق بكرامة إنسان؟ كيف أتجه إلى منطقة المواصي التي غصّت بالنازحين حتى لم يعد فيها موطئ قدم ولا خيمة إضافية؟ المشهد هناك لا يمكن تصوره: طوابير من الجوعى، عائلات تتكدس فوق بعضها، ووجوه متعبة لم يعد فيها مكان للأمل».

أكد «كرسوع»، الذي يعمل صحفيًا، أن «الظروف المعيشية والأمنية في المنطقة بلغت مستويات غير مسبوقة من الخطورة، في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل ليلًا ونهارًا، والذي لم يترك ساعة واحدة من الهدوء منذ أسابيع. نعم، لدي خبرة تتجاوز الـ20 عامًا في العمل الإعلامي، لكن ممارسات الاحتلال أكبر من أن يتم التعايش معها».

وأشار «كرسوع» إلى أن منزله (الواقع بعسقولة، المصنفة ضمن المناطق «الحمراء» الأكثر تضررًا بحي الزيتون)، شاهد على القصف المتكرر الذي طال منازل مجاورة وألحق أضرارًا إضافية بمسكنه خلال جولات قتال سابقة. ورغم تلقيه رسائل نصية واتصالات مسجلة من جيش الاحتلال الإسرائيلي تطالبه بالإخلاء والتوجه إلى منطقة المواصي، فإنه يصر على البقاء في منزله، رافضًا «المرمطة» التي عاشتها عائلته لأكثر من عام ونصف العام متنقلة من مكان إلى آخر.

وفيما يؤكد «كرسوع» أنه «لم يعد هناك أي مأوى بديل، وأن الخروج يعني التشرد في الشوارع في ظل الاكتظاظ الكثيف في مناطق النزوح، خصوصًا غرب ووسط خان يونس»، فقد أوضح أن «طول فترة الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية أنهكا الجميع، في ظل مجاعة متصاعدة ونيران مدفعية وأحزمة نارية لا تبعد أكثر من 600 متر عن منزله، بينما تقترب القوات الإسرائيلية من مشارف الحي. ورغم ذلك، يظل متمسكًا بأمل ضعيف في حدوث معجزة تحول دون توغل الجيش البري إلى المنطقة».

أكذوبة إسرائيلية

قرار «الكابينيت»، باجتياح مدينة غزة، تكذِّب كل ما يُقال عن خطط الانتقال السياسي والإداري، المعروفة إعلاميا بسيناريو «اليوم التالي» لوقف الحرب، الذي تم طرحه من قبل، ويرتكز على «وقف إطلاق نار مستقر، اتفاق مُسبق مع ما تبقى من قيادة حماس، يتيح إدخال قوة دولية متعددة الجنسيات بإشراف عربي ودعم أمريكي، تمهيدًا لإعادة الإعمار ونقل السلطة إلى إدارة فلسطينية أو محلية»، ما يتعارض، تماما، مع مواصلة إسرائيل غاراتها المكثفة على مدينة غزة.

ووثقت «الأسبوع» (عبر مصادر ميدانية وتنفيذية ومواطنين في المدينة) ما يقوم به الطيران الحربي الإسرائيلي من استهدف متكرر الأطراف والمناطق الجنوبية والشرقية للمدينة، التى تعيش أوضاعًا بالغة الصعوبة، حيث تتواصل أصوات الانفجارات والهزات الناجمة عن القصف، بينما تبقى مناطق طرفية واسعة مدمرة وخالية من السكان تقريبًا، بعد أن كانت قبل الحرب أحياء عامرة بالسكان.

وتشهد المناطق الغربية من المدينة، مثل الشيخ رضوان وتل الهوى والأحياء الساحلية، اكتظاظًا سكانيًا شديدًا، بعد نزوح مئات الآلاف من سكان شمال قطاع غزة ومحافظات أخرى إليها، نتيجة الممارسات الوحشية التى نفذها جيش الاحتلال خلال الـ22 شهرا الماضية، ويقدَّر عدد المقيمين في غزة والشمال حاليًا بأكثر من 1.2 مليون نسمة، ما يجعلها واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية عالميًا.

مخاطر النزوح

وتعرضت أعداد كبيرة من المنازل للتدمير فوق رؤوس قاطنيها في مدينة غزة، بحسب الإعلامي، عبد الهادي عوكل (من أهالي جنوب المدينة)، ما دفع الغالبية إلى النزوح، فيما يغامر بعض الأهالي بالعودة لتفقد منازلهم رغم تعرضهم للاستهداف المباشر، كما حدث مع عدد من العائلات والشبان.

وأوضح عوكل لـ«الأسبوع» أنّ المناطق الجنوبية من المدينة، وتحديدًا شارع 8 المحيط بالكلية الجامعية والقريب من محور نتساريم، حيث تتمركز القوات الإسرائيلية، تُعد منذ فترة طويلة هدفًا للنيران، مشيرًا إلى أنّ الاحتلال أصدر أوامر متكررة بالإخلاء هناك، الأمر الذي جعل الأحياء الشرقية والجنوبية شبه خالية من السكان.

وأضاف أنّ الكثافة السكانية تركزت باتجاه الغرب، خصوصًا في الشيخ رضوان وتل الهوى والمناطق الساحلية، ما يثير مخاوف من أنّ أي توغل بري محتمل سيتركز في هذه المناطق المكتظة، وهو ما قد يسفر عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.

وأكد أنّ غزة باتت «ساحة مفتوحة تتلقى الرصاص ولا تصده»، في ظل غياب الاستعدادات لدى السكان، الذين يعيشون هواجس عودة الاحتلال إلى اقتحام المدينة، مشيرًا إلى أنّ أكثر من مليون ونصف مليون إنسان متركزون في محافظة غزة بعد نزوح سكان الشمال إليها، في مشهد وصفه بالمرعب.

ونوّه إلى أنّ المقاومة تعاني إنهاكًا شديدًا بعد أشهر من الحرب، معتبرًا أنّ أي مواجهة في الأحياء المزدحمة تعني تدميرًا واسعًا ومجازر بحق المدنيين، متوقعًا أن تكون المرحلة المقبلة «أكثر صعوبة ودموية» مما سبق.

وأشار إلى أنّ الاحتلال يفرض سيطرة على المناطق الشرقية للمدينة وعلى شمال القطاع منذ أشهر، ما يجعل أي اقتحام محتمل من الجهة الغربية مسألة وقت قصير، لكنه لفت إلى أنّ الهجوم لم يبدأ بعد، وأنّ تل أبيب تكرر الحديث عن فتح المجال للنزوح جنوبًا قبل أي عملية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

صعوبة بالغة

ومن قلب مدينة غزة، قال أحمد صبرة لـ«الأسبوع»، إن الأوضاع الميدانية «بالغة الصعوبة منذ بداية الأسبوع الماضي»، موضحًا أنّ القصف لا يتوقف وأن أصوات الانفجارات والهزات الأرضية المصاحبة لها مستمرة ليلًا ونهارًا، وهو ما جعل الحياة اليومية أقرب إلى «حالة خوف دائم»، ونبه إلى أن الأهالي يواجهون هذه الأوضاع القاسية بالتسليم إلى الله والدعاء بأن يجنبهم الاحتلال البري، على أمل أن يكون «الفرج قريبًا»، في تعبير يعكس حجم المعاناة الإنسانية التي يعيشها المدنيون داخل المدينة.

وأضاف أنّ المنطقة التي يقطنها تقع على طرف نطاق الإخلاء، غير أنّ ذلك لم يوفّر أي مجال للأمان، إذ لم يصدر حتى الآن أي إعلان رسمي بإخلاء كامل لمدينة غزة، كما لم تبدأ عملية عسكرية برية مباشرة داخلها. وأشار إلى أنّ الأطراف الشرقية والجنوبية تتعرض لقصف مكثف يستهدف مناطق سكنية ومرافق حيوية، ما يجعل دخولها بمثابة «مخاطرة بحياة من يقترب».

وأكد صبرة أنّ ميدان غزة يعيش أصعب لحظاته في ظل استمرار الغارات الجوية دون توقف، مشددًا على أنّ «العملية البرية لم تبدأ بعد، لكن الطيران لا يغادر الأجواء والقصف متواصل، ولا أحد يعرف ما الذي يحمله الليل أو الصباح القادم؟».

تصعيد خطير

وقال الصحفي الفلسطيني، محمد السيقلي (من سكان غزة) لـ«الأسبوع»، إنّ الوضع الميداني يشهد تصعيدًا خطيرًا ينذر باجتياح شامل للمدينة، إذ تتعرض المناطق الشرقية والشمالية لتدمير واسع النطاق، بينما لم يتبق سوى الجهتين الغربية والجنوبية اللتين يلوّح الاحتلال باستهدافهما قريبًا.

وأوضح أنّ ما يجري في الأحياء الشرقية، وخصوصًا الشجاعية والتفاح وحي الزيتون، يتجاوز العمليات العسكرية التقليدية ليصل إلى «مسح شامل للأرض والمباني»، حيث يوظف جيش الاحتلال مختلف وسائطه الحربية من طيران ومدفعية وروبوتات متفجرة. وبيّن أنّ مربعات سكنية كاملة تُزال بشكل متتالٍ، مع استهداف مباشر لمنازل مأهولة تعود لعائلات أبو دف، الحصري، دلول، عاشور، والدريملي.

وأشار السيقلي إلى أنّ الوقائع الميدانية تؤكد بدء تفعيل خطة احتلال مدينة غزة بشكل مباشر، مستشهدًا بوصول الروبوتات المتفجرة إلى غرب الزيتون، وتحديدًا إلى مناطق مسجد علي والكلية الجامعية ومسجد حسن البنا والمصلبة وشارع النديم، في محاولة واضحة لإحكام السيطرة على الحي بشقيه الشرقي والغربي.

ولفت إلى أنّ خطورة ما يحدث لا تجد انعكاسًا كافيًا في وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، التي تتعامل مع المشهد وكأنه مجرد حدث عابر، في حين أنّه «يمثل أخطر حلقات العدوان وربما البداية الفعلية لاجتياح مدينة غزة».

وبيّن أنّ حي الزيتون، الذي يتعرض لهذه الهجمة، يُعد من أكبر أحياء المدينة وأكثرها كثافة سكانية، إذ كان يضم نحو 200 ألف نسمة وارتفع العدد إلى أكثر من 300 ألف بعد نزوح الآلاف إليه. كما يتميز بأهمية استراتيجية كبرى، كونه سلة غزة الغذائية بما يحتويه من مساحات زراعية واسعة وتربة خصبة تنتج الزيتون والحمضيات والعنب وأنواعًا أخرى من المحاصيل.

وأضاف أنّ المشهد في غزة بات حرجًا بعد تدمير ثلاث محافظات وبقاء اثنتين تحت التهديد المباشر، الأمر الذي أتاح لإسرائيل ترسيخ هيمنتها الإقليمية رغم تدخل الوسطاء.

توغل واسع

من جانبه، قال المهندس عاصم نبيه (المتحدث باسم بلدية غزة) لـ«الأسبوع»، إنّ المدينة تشهد في الوقت الراهن توغلاً واسعًا لقوات الاحتلال داخل معظم أحيائها، ما دفع الغالبية العظمى من السكان إلى التكتل في المناطق الغربية والوسطى.

وأكد أنّ أحياءً بأكملها مثل الشجاعية والتفاح والزيتون تعرضت لدمار شبه كامل، في حين امتد الخراب إلى مناطق واسعة من جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا، موضحًا أنّ الدمار لم يقتصر على المساكن، بل شمل مختلف المرافق الحيوية والبنية التحتية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات والعيادات وآبار المياه وخطوط وشبكات الإمداد.

وأشار نبيه إلى أنّ البلدية كانت قبل الاجتياح الأخير تواجه وضعًا صعبًا، إذ فقدت أكثر من 85% من آلياتها الثقيلة وتعرض أكثر من 75% من آبار المياه للتدمير جراء القصف المستمر. وأضاف أنّ استمرار العمليات العسكرية وتوغل القوات داخل المدينة يهدد بتوسيع حجم الأضرار إلى مستويات غير مسبوقة.

وأوضح أنّ الجهود الحالية للبلدية لا تتعدى إجراءات إسعافية محدودة لا تلبّي سوى جزء بسيط من احتياجات المواطنين، محذرًا من أنّ استمرار هذه الأوضاع قد يؤدي إلى عجز البلدية عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، وعلى رأسها توفير المياه، التي وصفها بأنها «شريان الحياة الوحيد المتبقي لسكان غزة».

ساحة مفتوحة

وتشمل العمليات الموازية في شمال ووسط القطاع جهودًا إسرائيلية لتفكيك ما تصفه بـ«البنية التحتية» للمقاومة، وتزامنًا مع هذه التحضيرات، كثّف الجيش الإسرائيلي قصفه خلال الأيام الأخيرة، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، فيما يشهد القطاع انهيارًا شبه كامل في المرافق الطبية، إلى جانب نقص حاد في الغذاء والمياه والدواء.

وتؤكد المعطيات الميدانية غياب الاستعدادات الدفاعية الكافية، نتيجة إنهاك البنية القتالية، في وقت تشير تقديرات عسكرية إسرائيلية إلى أن فرض السيطرة الكاملة على المدينة قد يمتد حتى عام 2026. ومع هذا التصعيد، حذرت جهات أممية ودولية من أن أي اقتحام لمدينة غزة سيضاعف الكارثة الإنسانية، ويعقّد المساعي الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق يوقف القتال مقابل إطلاق سراح المحتجزين.

من منظور قانوني وحقوقي، يثير القرار الإسرائيلي بالسيطرة الكاملة على مدينة غزة جملة من المخاوف الجسيمة التي تضعها في إطار الجرائم الدولية، وفي مقدمتها جريمة التهجير القسري وجريمة الاحتلال المطوّل.

وعليه، فإن استمرار هذا المسار، في ظل صمت أو عجز المجتمع الدولي، لا يعني فقط مضاعفة المأساة الإنسانية في غزة، بل يكرّس سابقة خطيرة في القانون الدولي، حيث يُتعامل مع الاحتلال والتهجير كسيناريو سياسي مشروع، لا كجريمة تستوجب المحاسبة والمساءلة.

أخبار متعلقة :