تعددت الوجوه و"الإرهابية" واحدة.. صوت الأمة تكشف تفاصيل حرب الإخوان الدعائية منذ 2011 وحتى 2025

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تعددت الوجوه و"الإرهابية" واحدة.. صوت الأمة تكشف تفاصيل حرب الإخوان الدعائية منذ 2011 وحتى 2025, اليوم السبت 23 أغسطس 2025 09:55 مساءً

الخطاب الإخواني دمج بين الدين والتطرف والتعبئة السياسية ويعيد إنتاج نفسه حسب الحالة المجتمعية والدولية

الجماعة تعيد تدوير خطابها باستخدام منصات إعلامية وشخصيات دينية ومدنية لكسب التعاطف وإخفاء الارتباط بالعنف

ترفع لافتات "الثورة الإسلامية" وتستدعي مفردات الماضي الدعوي الجهادي.. وترتدى عباءة الديمقراطية وحقوق الإنسان للتقرب من التيارات المدنية و اليسارية

 

دخلت جماعة الإخوان الإرهابية منذ سقوط حكمها في مصر عام 2013، مرحلة جديدة من البحث عن أدوات بديلة تُمكّنها من استعادة نفوذها السياسي والاجتماعي، فبعد أن فقدت شرعيتها الشعبية وموقعها في السلطة، لجأت إلى الإعلام كجسر لإعادة التسلل إلى الوعي العام، محاولةً تقديم نفسها بواجهات ناعمة ومسميات بديلة تُخفي خلفها المشروع ذاته.

ورغم كثرة الشعارات التي رفعتها لاحقًا، من حركات شبابية إلى كيانات مدنية، إلا أن جوهر الأيديولوجيا ظل ثابتًا: إعادة إنتاج خطاب الجماعة بما يخدم مشروعها الأم، مع تجميل الصورة وإخفاء المضمون.

دراسات ووثائق عدة رصدت كيف تعمل الجماعة الإرهابية على إعادة تدوير خطابها عبر منصات إعلامية وشخصيات محسوبة عليها، بحيث يبدو النشاط منفصلًا أو مستقلًا، بينما هو في الحقيقة جزء من منظومة دعائية مركزية تُدار بعناية، وهذه الاستراتيجية تقوم على مبدأ مزدوج: من جهة، كسب تعاطف قطاعات جديدة من الجمهور عبر شعارات الحرية والحقوق، ومن جهة أخرى، إخفاء الارتباط بالعنف الذي شكّل دومًا أحد أعمدة مشروع الإخوان الإرهابية.

وتسعى "صوت الأمة" من خلال هذا الطرح، إلى تفكيك هذه الحرب الدعائية الممتدة منذ عام 2011 وحتى 2025، عبر تتبّع مسارات الخطاب الإخواني، وتحليل الأدوات التي اعتمدتها الجماعة للظهور بأقنعة متعددة، وكيفية استغلالها للإعلام الجديد والقديم على السواء لتلميع مشروع فقد بريقه، لكنه لم يتخلَّ عن طموحاته.

 

من المساجد إلى الفضاء الرقمي

لم يكن لجوء جماعة الإخوان الإرهابية إلى الإعلام خطوة عابرة بعد ثورة 2011، بل هو جزء أصيل من بنيتها منذ التأسيس، فمنذ بداياتها، اعتمدت على المساجد والجامعات كمنابر دعوية، حيث اعتُبر الإعلام –وفق دراسات متخصصة– من أهم الركائز التي بنت عليها الجماعة مشروعها الدعائي والسياسي.

ومع انفتاح العالم على ثورة الاتصالات، كانت الجماعة من أوائل التنظيمات التي احتضنت الوسائل الإعلامية الحديثة لتسويق أيديولوجيتها، وفي مقدمتها فكرة "إحياء الخلافة". ففي منتصف التسعينيات، أحاطت نفسها بأقمار صناعية ومنابر خارجية، سمحت لها ببث رسائلها إلى مئات الآلاف من المنازل العربية، وقد تحولت تلك القنوات إلى منصات سياسية متعاطفة مع كل ما هو ينضوي تحت حركات الإسلام السياسي، ما دفع السلطات المصرية إلى اتخاذ إجراءات لوقف بث عدد من القنوات الداعمة للجماعة وحظر أخرى لإثارة الشغب ونشر الأكاذيب.

لكن القفزة الأكبر جاءت مع الفضاء الرقمي، فمنذ 1998 دشّنت الجماعة موقعها الأول المصاحب لمجلة "الدعوة"، ثم توالت المنصات: "إخوان أونلاين" (2003)، "إخوان ويب" (2005)، "إخوان تيوب" (2009)، قبل أن تنتقل بشكل واسع إلى شبكات التواصل الاجتماعي بعد 2013.

ومع فقدانها الاتصال الحزبي المباشر، اندفع أعضاؤها إلى فضاءات مثل فيسبوك وتويتر وتيليجرام، حيث وجدوا بيئة مناسبة للتعبئة والتجنيد ونشر المواد المصممة بدقة لتخاطب مختلف الشرائح، فجمعت آلاف المتابعين، وأنتجت شبكاتها على يوتيوب وتيليغرام مئات الفيديوهات والأناشيد الدعائية.

وبالتالي لم يكن هذا التحول من المنابر التقليدية إلى الإعلام الفضائي ثم الرقمي مجرد انتقال في الوسيلة، بل إعادة تشكيل متواصلة لخطاب الجماعة، ستتضح ملامحها أكثر عند تتبّع الأساليب والرسائل التي اعتمدتها في مراحلها اللاحقة.

 

استراتيجية «تعدد الوجوه» وحركة "ميدان"

لم تتوقف محاولات جماعة الإخوان الإرهابية عند تغيير الوسيلة الإعلامية فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى ابتكار واجهات جديدة تُقدَّم للجمهور في صورة حركات ثورية أو منصات مدنية مستقلة.

ومن أبرز هذه الأمثلة حركة «ميدان» التي ظهرت في صيف 2025، حيث أصدرت وثيقة فكرية في يونيو من العام الجاري تتحدث عن «تحول ديمقراطي» في مصر، وتعرّف نفسها بأنها «منصة شبابية مستقلة تنتهج خطابًا سلميًا للإصلاح»، غير أن القراءة المتأنية لتلك الوثيقة تكشف وجهًا آخر؛ فالحركة لم تكن سوى إعادة صياغة لمشروع الإخوان بشعارات أكثر نعومة، وعادة تدوير للمشروع الإخواني القديم بأدوات تستهدف شرائح جديدة.

لقد اعتمدت وثيقة «ميدان» على خطاب مألوف للجماعة الإرهابية منذ 2013، في محاولة لإحياء وتجميل مشروعها السياسي القذر وكسب تعاطف جمهور جديد، لذلك لم يكن غريبًا أن يحرص القائمون على «ميدان» على إخفاء أي رابط مباشر مع الإخوان، فاختاروا اسمًا يستدعي رمزية «التحرير» و«ثورة يناير»، بعد أن أدركوا أن اسم «الإخوان» بات مرتبطًا في الوعي العام بالإرهاب والعنف.

الأكثر لفتًا للنظر أن الحركة ضمّت عناصر من خارج الإطار التقليدي للجماعة، بما في ذلك وجوه من تيارات إسلامية أخرى، كما برزت تقاطعات أوضح مع الأجنحة المسلحة، حيث قاد بعض مؤسسي «ميدان» شخصيات مرتبطة بتنظيم «حسم» العسكرى الإرهابى التابع للإخوان، مثل يحيى موسى ومحمد منتصر، وهو ما يعكس الترابط الوثيق بين الواجهات المدنية المعلنة والبنية التنظيمية الإرهابية للجماعة.

أما على مستوى الأدوات، فقد اعتمدت «ميدان» على منصات التواصل الاجتماعي باعتبارها المنبر الأساسي والمتاح للدعاية، فأنتجت محتوى متنوعًا، من بيانات مكتوبة إلى بودكاست تحريضي يقدمه بعض مؤسسيها، في محاولة لاستقطاب فئات جديدة من الشباب، وفيديوهات مبنية على الذكاء الاصطناعي، وبذلك مثّلت نموذجًا حيًا لاستراتيجية «تعدد الوجوه» التي تقوم على إطلاق حركات بأسماء مدنية أو شبابية، بينما يظل الخيط الناظم بينها جميعًا هو الانتماء إلى المشروع الإخواني نفسه.

ولم تقتصر هذه الاستراتيجية على الإسلاميين وحدهم؛ فقد أشارت تقارير تحليلية إلى حالات تقاطع لافتة بين خطاب الإخوان وبعض رموز التيارات من خارج مصر، وظهرت دلائل على تعاون ميداني أو إعلامي في قضايا المعارضة للنظام، رغم التناقض الأيديولوجي العميق، وهذه التداخلات أكدت أن الجماعة تسعى باستمرار إلى استغلال أطياف سياسية وفكرية مختلفة لتوسيع قاعدة المتلقين، وتضليل الرأي العام عبر خطاب يبدو متنوعًا، بينما يظل جوهره واحدًا.

 

الواجهة الدعائية للجماعة الإرهابية

احتفظ الإعلام بمكانة كبيرة في عقل جماعة الإخوان الإرهابية منذ نشأتها كأحد أهم أدواتها في بناء صورة ذهنية مضادة للأنظمة الحاكمة وترويج خطابها الدعائي، ومع صعود التكنولوجيات الحديثة وتوسع الفضاء الرقمي، تضاعف دور تلك المنصات حتى أصبحت بمثابة "واجهة إعلامية متكاملة" للجماعة، تزاوج بين الخطاب الديني المتشدد والتعبئة السياسية، وتعيد إنتاج رسائلها بطرق متعددة تستهدف الداخل والخارج معًا. وذلك من خلال قنوات متعددة ظهرت في الفترة من 2013 حتى الآن:

1.     القنوات الفضائية المحظورة: عقب عام 2013 برزت قنوات تحمل شعارات وشعارات دينية وسياسية متطرفة، مثل قناة "رابعة" وقنوات و"مصر 25" وغيرها، التي اتخذت من مواجهة الدولة غطاءً لممارسة تحريض مباشر على العنف ونشر الأكاذيب، ما دفع السلطات إلى حجبها استنادًا إلى أحكام قضائية اعتبرت أنها "تغذي الكراهية وتدفع الشباب إلى الصدام".

2.     قنوات المعارضة في الخارج: مع تضييق الخناق داخليًا، اتجهت قيادات إخوانية إلى تأسيس قنوات بث خارجية، تقدم نفسها كمنابر سياسية معارضة بينما تقوم فعليًا بتسويق خطاب الجماعة الإرهابي، ومن بين هذه القنوات ما يُعرف إعلاميًا بـ"الشرق" و"مكملين" و"وطن"، والتي لا تخفى روابطها المباشرة بعناصر التنظيم، حيث يديرها إعلاميون وشخصيات محسوبة على الجماعة، ويغلب على محتواها التحريض على الدولة ونشر روايات مشوهة للأحداث.

3.     المواقع الإلكترونية الرسمية: ما زالت الجماعة تحافظ على واجهات رقمية تحمل اسمها مباشرة، أبرزها مواقع إخبارية تدّعي الاستقلالية لكنها في جوهرها تُعيد تدوير بيانات الجماعة ونشر بيانات فصائلها المختلفة تحت مظلة واحدة، وهذه المواقع تمثل قناة رسمية لتوحيد خطاب التنظيم أمام المتابعين، خصوصًا بعد الانقسامات التي عصفت به في السنوات الأخيرة.

4.     شبكات التواصل الاجتماعي: يبرز الفضاء الرقمي كأكثر الساحات التي استثمرت فيها الجماعة، إذ أنشأت مئات الحسابات والصفحات على فيسبوك وتويتر ويوتيوب وتيليغرام. وقد أظهرت دراسات أن هذه الشبكات تستقطب أعدادًا ضخمة من المتابعين، وتعمل وفق خطط دعائية ممنهجة تتراوح بين إنتاج مقاطع مرئية وأغانٍ تحريضية، مرورًا بإطلاق حملات هاشتاغ موجهة، وصولًا إلى محاولات تزييف الأخبار وتضخيم الأحداث.

وبهذا المشهد المتكامل، يتضح أن الإعلام بالنسبة للإخوان غطاءً استراتيجيًا يضمن استمرار صوت الجماعة في الفضاء العام، حتى بعد انهيار بنيتها التنظيمية في الداخل.

 

اللعب على التيارات الدينية والمدنية المختلفة

من أبرز الأساليب التي اعتمدتها جماعة الإخوان الإرهابية في حربها الدعائية أسلوب التلون الخطابي، فالجماعة لا تقدّم خطاباً واحداً ثابتاً، بل تنتقي العبارات والشعارات وفق الجمهور المستهدف، فعند مخاطبة القاعدة الدينية المحافظة، ترفع لافتات "الثورة الإسلامية" وتستدعي مفردات الماضي الدعوي الجهادي، أما حين تتوجه إلى التيارات المدنية أو اليسارية، فإنها ترتدي عباءة الديمقراطية وحقوق الإنسان لتبدو أكثر قرباً من المزاج العام.

وتكشف الدراسات أن هذا النمط لم يكن عفوياً، بل جاء ضمن استراتيجية منظمة لإعادة التموضع داخل المشهد المعارض عبر توظيف العناوين المدنية والديمقراطية كأغطية للمشروع الإخواني التقليدي، فاليوم لم يعد الخطاب يرفع شعارات "الخلافة" علناً، بل يستبدلها بواجهات ناعمة مثل "الحرية" و"العدالة الاجتماعية" و"المظلومية الحقوقية"، وهو تبديل لغوي أكثر منه تبديل في الجوهر.

كما بيّنت تقارير أن الحملات الإعلامية والإلكترونية المتحالفة مع الإخوان غالباً ما توظّف سرديات حقوقية ووطنية ظاهرها الدفاع عن الشعوب، لكنها في عمقها تحمل تصنيفاً صارماً للأنظمة السياسية بين "أنظمة داعمة" يجب تمجيدها و"أنظمة معادية" يجب شيطنتها، كما حدث مع متاجرتها بالقضية الفلسطينية، وبهذه الطريقة تنجح الجماعة في تقديم نفسها بصورة متعددة الوجوه: مرةً دعوية، مرةً مدنية، وأخرى يسارية أو حقوقية، دون أن تغيّر في جوهرها التحريضي والعنيف.

إنها لعبة الأقنعة؛ وجوه متغيرة تخدم مشروعاً واحداً، تستهدف شرائح متباينة بالخطاب ذاته لكن بألوان مختلفة، لتصنع لنفسها أرضيات جديدة للانتشار والقبول، فيما يبقى الجوهر الإيديولوجي على حاله.

 

تأثير استراتيجيات التنظيم على وعي الجمهور

في المقابل، تستثمر جماعة الإخوان الإرهابية أزماتها التنظيمية لتكثيف نشاطها الإعلامي الموجَّه نحو الرأي العام، إذ تسعى عبر منصاتها إلى تضخيم المظالم الاجتماعية والاقتصادية وصناعة رواية بديلة تشكك في وطنية القيادة السياسية، وقد رصدت دراسات أكاديمية نشاطاً مكثفاً لقيادات وشباب إخوانيين على مواقع التواصل ينشرون باستمرار أخباراً مضللة عن الأوضاع المعيشية في مصر، والتخاذل في القضية الفلسطينية، كشعارٍ لتأجيج الغضب الشعبي والدفع باتجاه إحياء أجواء الفوضى.

وعلى مدار سنوات، حاول العشرات من المؤثرين الإخوان جذب المتابعين عبر منصات مثل يوتيوب وتويتر وفيسبوك، مستخدمين خطاباً حاداً وأسلوباً عاطفياً يستثير المشاعر أكثر مما يقدم حقائق، وقد وصف بعض المراقبين هؤلاء المؤثرين بأنهم «سحرة في استغلال وسائل التواصل» لكن الواقع يُظهر أن تأثيرهم يعتمد على استغلال اللحظات الحرجة وليس على وجود قاعدة صلبة أو فكر مقنع.

وفي أوقات الأزمات، تتسارع هذه الحملات المنظمة، فخلال جائحة كورونا مثلًا، أثبتت التحقيقات الرسمية أن الجماعة كانت وراء نسبة معتبرة من الأخبار الكاذبة التي رُوّجت حول الوضع الصحي في مصر، ومع ذلك، فإن هذه الجهود لم تحقق أكثر من محاولة تشويش على المشهد العام، إذ بقيت مؤسسات الدولة قادرة على دحض الروايات المغلوطة عبر بيانات رسمية وإجراءات عملية.

وتظل استراتيجيات الجماعة الإعلامية أقرب إلى محاولات إرباك وتشويش متكررة، تستهدف نشر الشكوك والتوتر، لكنها لا تنجح في ترسيخ حضورٍ حقيقي داخل الوعي الجمعي، فالقناع الحقوقي أو الاجتماعي الذي تتخذه الجماعة سرعان ما ينكشف عند أول مواجهة بالوقائع، وهو ما يجعل خطابها أشبه بموجات عابرة أكثر منه تياراً قادراً على الصمود في وجه المؤسسات والوعي الوطني.

 

التمويل الخارجي كوقود للحرب

لم يكن استمرار الماكينة الإعلامية لجماعة الإخوان الإرهابية ممكنًا دون مظلة مالية وتنظيمية عابرة للحدود، فقد كشفت تقارير عن شبكات تمويل معقدة تستند إلى جمعيات خيرية ومنظمات غير حكومية تعمل كغطاء، إضافة إلى دعم مباشر من شخصيات ومؤسسات خارجية.

وقد اعتمدت الجماعة على هذا الدعم لتأمين البنية التحتية لقنواتها الفضائية ومنصاتها الرقمية، بدءًا من مقرات البث والإنتاج وصولًا إلى الحملات الممولة على شبكات التواصل، وفي الوقت الذي يُسوَّق فيه هذا الدعم على أنه "دعم للإعلام الحر"، فإن الواقع يكشف أنه جزء من إستراتيجية منظمة لإبقاء صوت الجماعة حاضرًا في المشهد، حتى وإن تراجع وجودها الميداني داخل مصر.

وهذه الشبكات المالية لا تعكس فقط استمرار الرغبة في تمكين التنظيم من أدوات الدعاية، بل تكشف أيضًا حجم الرهان الخارجي على استخدامه كورقة ضغط سياسية في ملفات إقليمية ودولية، وهو ما يجعل التمويل الإعلامي ليس مجرد مورد مالي، بل جزءًا من معركة ممتدة على الوعي والرأي العام.

 

مفهوم التقية السياسية في عقل التنظيم

وختاماً، إن تعدد الوجوه التي يتعمد تنظيم الإخوان الإرهابي إبرازها أمام الجمهور ليست سوى انعكاس لأسلوبٍ براغماتي قديم يقوم على «التقية السياسية» وتكييف الخطاب وفق السياق، فمنذ نشأته في عشرينيات القرن الماضي، قدّم التنظيم نفسه كجماعة دعوية تربوية، لكنه سرعان ما انزلق إلى العنف عبر تشكيلات شبه عسكرية مثل «التنظيم الخاص»، ثم أعاد التلون كحركة سياسية حزبية مع تأسيس حزب «الحرية والعدالة» في مصر، قبل أن يتخفى مجددًا وراء واجهات مدنية وحقوقية بعد سقوط حكمه، وهذه السلسلة التاريخية تكشف أن التعدد في الوجوه ليس عرضًا طارئًا بل جزءًا بنيويًا من إستراتيجية البقاء.

لقد أدركت الجماعة مبكرًا أن السيطرة على الفضاء العام لا يمكن أن تتحقق عبر خطاب واحد، لذلك عملت على إنتاج «قوالب متعددة» للرسالة نفسها، في المجال العربي والإسلامي، تغذي خطابًا قائمًا على العاطفة الدينية والشحن الطائفي وربط الصراع بفكرة «الجهاد» أو «المقاومة»، والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، أما في الغرب، فتتقمص خطاب الديمقراطية والليبرالية وتدّعي تمثيل «الإسلام المعتدل» للدخول من أبواب العمل المدني والحقوقي، وبين الوجهين، تبقى الأهداف واحدة: تكريس النفوذ، اختراق المجتمعات، وتفكيك شرعية الدولة الوطنية لصالح مشروع أممي يتجاوز الحدود.

وإذا كان التنظيم قد فقد كامل قدراته التنظيمية داخل مصر بعد 2013، فإن ذلك لم يمنعه من استثمار الإعلام الرقمي ليعيد إنتاج نفسه في صورة «منصة إعلامية كونية» متناثرة عبر فيسبوك، تويتر، وقنوات البث عبر الإنترنت، وبذلك تحولت أدوات الدعاية إلى جيوش إلكترونية تبث رسائل متناقضة، لكنها تخدم رواية موحدة تدور حول المظلومية، والتشكيك في مؤسسات الدولة، وتقديم الإخوان كبديل شرعي، بما يسمح له بالبقاء في المشهد رغم الضربات الأمنية والسياسية.

غير أن هذا التلون في الوجوه لا يمكن أن يحجب جوهر المشروع: فهو في نهاية المطاف مشروع سلطوي شمولي يسعى إلى احتكار تمثيل الإسلام وتوجيهه بما يخدم أجندة التنظيم الإرهابي، ولعل أهم خطورته تكمن في القدرة على استغلال التحولات الاجتماعية والسياسية لزرع خطاباته داخل الأزمات، سواء عبر بوابة الدين أو بوابة الحقوق.

وبذلك يمكن القول إن تعدد الوجوه لا يخفي الحقيقة: فالإخوان، مهما تزيّنوا بشعارات الديمقراطية أو لبسوا ثوب الحقوقيين، يظلون جماعة إرهابية ذات مشروع واحد ممتد، مشروع يواجه اليوم بأدوات الوعي والمعرفة، تمامًا كما يواجه على الأرض بالقانون والسيادة الوطنية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق