نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كابريو القاضي الرحيم, اليوم الأحد 24 أغسطس 2025 04:17 مساءً
رحل القاضي الأمريكي فرانك كابريو، عن عمر ناهز الثامنة والثمانين في رود آيلاند بالولايات المتحدة، بعد مسيرة قضائية امتدت أكثر من أربعة عقود، عُرف خلالها بلقب "القاضي الرحيم". وقد أعلنت أسرته نبأ وفاته، ليغيب بذلك أحد أبرز الوجوه القضائية التي جمعت بين القانون والرحمة في زمن عزّت فيه هذه المعادلة.
وُلد كابريو لأب مهاجر إيطالي كان يعمل بائعًا للحليب، فنشأ على البساطة وقيمة الإنسان العادي. التحق بالقضاء عام 1985، وتدرج حتى شغل منصب رئيس قضاة المحكمة البلدية في رود آيلاند، كما ترأس مجلس محافظي الولاية للتعليم العالي لمدة عشر سنوات. لكن ما جعله أيقونة عالمية لم يكن المنصب ولا الألقاب، بل أسلوبه الإنساني في تطبيق العدالة.
حين ظهر في البرنامج التلفزيوني Caught in Providence، شاهده الملايين وهو يحوّل قاعة المحكمة إلى مساحة للرحمة والإنصاف. لم يتعامل مع المتهمين كأرقام في ملفات، بل كوجوه تحمل قصصًا وحكايات. كان يبتسم للفقير، ويعذر المتعثر، ويسأل الأرملة عن حالها قبل أن يقرأ لائحة الاتهام. ومن هنا جاء لقبه الذي أحبه الناس: القاضي الرحيم.
نال البرنامج ترشيحًا لجائزة "داي تايم إيمي" عام 2021، غير أن الجائزة الحقيقية كانت قلوب الناس التي رأت فيه نموذجًا مختلفًا للقاضي؛ نموذجًا يذكّر بأن العدالة ليست نصوصًا جامدة، بل إنسانية تتسع للضعفاء والمهمشين.
كان كابريو أبًا لخمسة أبناء، وجدًّا لسبعة أحفاد، غير أنه بدا أبًا لملايين تابعوه عبر الشاشة، شعر كل واحد منهم أن هذا الرجل يعرفه ويدافع عنه. وبعد رحيله، بقيت قاعة المحكمة التي تركها فارغة من حضوره، لكنها لا تزال ممتلئة بضحكاته، بالعفو الذي منح، وبالدموع التي مسحها.
الناس يرحلون كل يوم، لكن قليلين يتركون وراءهم معنى. وفرانك كابريو ترك لنا معنى أعمق: أن العدالة ليست حجرًا صلدًا، بل قلبًا نابضًا. وأن القانون إذا تجرد من الرحمة، تحول إلى عصا غليظة.
أما حكمه الأخير… فلم يكن منه، بل من الله العادل الرحيم، الذي لا يظلم عنده أحد. رحل القاضي، وبقيت رسالته: أن الرحمة هي ما يرفع الإنسان عند خالقه، قبل أن ترفعه عند الناس.
0 تعليق